آخر تحديث :الثلاثاء - 22 يوليو 2025 - 02:10 ص

اخبار العالم


الأخطار الأمنية والتوترات الدولية تحيط بمشروع الطاقة النووية التركي

الإثنين - 21 يوليو 2025 - 12:40 م بتوقيت عدن

الأخطار الأمنية والتوترات الدولية تحيط بمشروع الطاقة النووية التركي

العين الثالثة/ متابعات

تسير تركيا بخطى حثيثة نحو تشغيل أول محطة للطاقة النووية في مدينة أكويو، بالتعاون مع روسيا، في مشروع يعد الأضخم والأول من نوعه في البلاد. غير أن هذا المشروع الإستراتيجي الضخم، الذي تقدر تكلفته بنحو 20 مليار دولار، لم يخلُ من التحديات الأمنية والجيوسياسية التي باتت تشكل تهديدا حقيقيا لاستقراره واستمراريته.

ويضع المشروع الذي تنفذه شركة روساتوم الحكومية الروسية، ويعتمد على نموذج “البناء والتملك والتشغيل”، روسيا في موقع إستراتيجي هام داخل بنية الطاقة التركية، وهو ما يثير قلقا متزايدا في أنقرة وحلف شمال الأطلسي (الناتو)، خاصة مع تزايد التوترات بين روسيا والدول الغربية.

وترى سارة خان، خبيرة في الطاقة، أن نموذج البناء والتملك والتشغيل الذي تتبعه روسيا في أكويو يضع الجانب التركي في موقف ضعيف إلى حد كبير، لأن كل مرحلة من مراحل تشغيل المحطة تعتمد على روسيا، مما قد يجعل تركيا عرضة لضغوط سياسية أو عقوبات قد تفرض على روسيا. هذا المشروع يجب أن يُدار بحذر شديد مع وجود خطط بديلة للطوارئ.

وجاء في تقرير نشرته مؤسسة جيمس تاون أن الخطر الأمني يبرز في أن محطة أكويو النووية، باعتبارها أول منشأة نووية روسية تُبنى وتُشغل وتُملك بالكامل في دولة عضو بالناتو، تعرض تركيا لمخاطر قد تشمل اعتمادا طويل الأمد على التكنولوجيا الروسية، والوقود النووي، والخبرات التشغيلية التي قد تستخدم كأدوات ضغط سياسي وجيوستراتيجي من قبل موسكو.

وإلى جانب ذلك، فإن التحديات التمويلية والمخاطر المرتبطة بالعقوبات الغربية المفروضة على روسيا زادت من تعقيد الوضع.

غياب البدائل الغربية أجبر تركيا على الدخول في شراكة نووية تحمل أبعادا أمنية وجيوسياسية حساسة

وتأخرت تركيا في سداد مبلغ 7 مليارات دولار لشركة روساتوم، مما دفع المسؤولين الأتراك والروس إلى عقد عدة لقاءات مكثفة لمناقشة سبل تجاوز هذه العقبات وضمان استكمال المشروع وفق الجدول الزمني المحدد، الذي يستهدف تشغيل المحطة بحلول عام 2028.

وتؤكد أحداث سابقة هشاشة العلاقة بين البلدين وتأثيرها على المشروع، مثل حادثة إسقاط تركيا طائرة روسية في 2015 التي أدت إلى تعليق مؤقت لأعمال البناء، بالإضافة إلى تأثير جائحة كورونا، ومحاولة الانقلاب في تركيا عام 2016، والغزو الروسي لأوكرانيا عام 2022، وهي أحداث تسببت جميعها في تأخيرات غير متوقعة.

ويثير وجود منشأة نووية روسية داخل تركيا مخاوف أمنية ودبلوماسية، إذ يُنظر إليها كرمز لتوسع النفوذ الروسي في منطقة حيوية، ويشكل اختبارا لقدرة تركيا على التوفيق بين علاقتها مع روسيا وانتمائها إلى حلف الناتو. كما تثير بعض التقارير قلقا من احتمال استخدام موسكو قنوات التمويل المرتبطة بالمشروع لتجاوز العقوبات الغربية، ما يضيف المزيد من التعقيد السياسي.

ويقول د. علي مصطفى، أستاذ العلاقات الدولية بجامعة أنقرة، “مشروع أكويو يمثل نقطة حساسة في العلاقات التركية – الروسية، فاعتماد تركيا على روساتوم لتشغيل محطتها النووية بالكامل يعزز نفوذ موسكو في قطاع الطاقة التركي، وهذا قد يؤثر على قرارات أنقرة السياسية خصوصا في ظل التوترات الراهنة بين روسيا والغرب. تركيا بحاجة إلى إستراتيجية واضحة لتقليل المخاطر المحتملة المرتبطة بهذا الاعتماد.”

وفي ظل هذه المعطيات، يبقى مشروع أكويو النووي نقطة توتر رئيسية في ملف الطاقة الإقليمية، حيث تتقاطع المصالح الاقتصادية والأمنية والسياسية.

وتواجه تركيا، التي تسعى لتقليل اعتمادها على واردات الطاقة وتعزيز مكانتها كقوة إقليمية في مجال الطاقة، تحديا مزدوجا في ضمان أمن محطتها النووية واستقرار علاقاتها الدولية، خاصة مع تواصل التوترات بين موسكو والغرب.

ويشكل مشروع أكويو اختبارا حقيقيا لقدرة تركيا على إدارة علاقاتها الدولية، وموازنة مصالحها الوطنية في مجال الطاقة مع المخاطر الأمنية الناجمة عن الاستثمارات الأجنبية الحساسة، خصوصا في ظل بيئة جيوسياسية مضطربة تشهد تصاعدا مستمرا للتوترات الدولية.

ويشير المحلل الأمني في مركز أبحاث الدفاع الأوروبي جورج ميلر إلى أن “وجود منشأة نووية روسية على أراضي دولة عضو في الناتو هو سابقة تحمل مخاطر كبيرة، خاصة في ظل العلاقات المتوترة بين روسيا والغرب. هناك مخاوف من أن تستخدم روسيا هذه المحطة كورقة ضغط جيوسياسية، أو حتى كمصدر للخطر الأمني إذا تفاقمت الخلافات. تركيا تحتاج إلى تنسيق أمني محكم مع حلفائها لضمان عدم استغلال هذا المشروع.”

وعلى مدى العقود الماضية، ظلت تركيا تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة من الخارج، ما جعل أمنها الطاقي هشا أمام التغيرات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية.

وفرض هذا الواقع على صانعي القرار في أنقرة ضرورة تبني رؤية إستراتيجية طويلة الأمد تهدف إلى تقليص الاعتماد على الخارج وتحقيق شكل من أشكال الاكتفاء الطاقي الوطني، باعتباره ركيزة رئيسية في مشروع تركيا للنهوض الاقتصادي وتعزيز السيادة الوطنية.

وفي هذا السياق، برزت الطاقة النووية كأحد الأعمدة الأساسية لهذه الرؤية. فمع تسارع النمو السكاني والصناعي، تزايد الطلب على الكهرباء في البلاد، ما دفع أنقرة إلى تنويع مصادر الطاقة، ليس فقط عبر التوسع في الطاقات المتجددة مثل الشمس والرياح، بل أيضا من خلال إدخال الطاقة النووية كمصدر ثابت وموثوق. ومن هنا جاء مشروع محطة “أكويو” النووية على الساحل الجنوبي لتركيا، الذي يمثل أول محاولة عملية لدمج الطاقة النووية في مزيج الطاقة الوطني.

وتُعزز هذه الهواجس اعتبارات أخرى، من بينها أن تركيا تُعد ثاني أكبر مستورد للغاز الطبيعي الروسي بعد الاتحاد الأوروبي، كما أنها واحدة من أبرز مستوردي النفط الروسي.

وهو ما يعني أن الرهان على الطاقة النووية، رغم ضرورته الإستراتيجية، لا يُخرج تركيا بعد من دائرة التبعية الطاقية، بل قد يُعيد صياغتها بشكل أكثر تعقيدا في ظل شراكات طويلة الأمد مع قوى دولية ذات مصالح متشابكة.

وفي الوقت ذاته، تعمل تركيا على ترسيخ مكانتها كـ”مركز إقليمي للطاقة” بين آسيا وأوروبا، عبر مشروعات ضخمة لربط خطوط الغاز، وتوسيع شبكات التوزيع، وتطوير مشاريع تخزين الغاز المسال.

وتسعى الحكومة التركية إلى تقليل الاعتماد على مصادر أحادية، وبناء قدرة إنتاجية محلية تشمل مصادر متنوعة للطاقة، من بينها النووية والمتجددة، ضمن إستراتيجية تهدف إلى تحقيق أمن طاقي مستدام وخفض انبعاثات الكربون.

ويرى مايكل أندروز، مستشار طاقة في مؤسسة الدراسات الإستراتيجية، أن “من الناحية الاقتصادية، تركيا بحاجة ماسة إلى تنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على واردات النفط والغاز، والطاقة النووية خيار منطقي في هذا السياق. لكن التحديات التمويلية والعقوبات الدولية المفروضة على روسيا قد تؤخر المشروع وتزيد التكاليف، مما يهدد الجدوى الاقتصادية للمشروع.”

على مدى العقود الماضية، ظلت تركيا تعتمد بشكل كبير على استيراد الطاقة من الخارج، ما جعل أمنها الطاقي هشا أمام التغيرات الجيوسياسية وتقلبات أسعار النفط والغاز في الأسواق العالمية

ورغم أن تركيا أبدت اهتماما مبكرا بالطاقة النووية منذ سبعينات القرن الماضي، إلا أن محاولاتها المتكررة للتعاون مع شركات ومؤسسات غربية في هذا المجال لم تُفضِ إلى نتائج ملموسة.

وعلى مدى عقود، فشلت أنقرة في جذب الاستثمار الغربي بسبب مزيج من المخاوف السياسية، والتقلبات الاقتصادية، وغياب الثقة في الإطار التنظيمي التركي.

وكانت الجهات الغربية حذرة من المخاطر الجيوسياسية التي تحيط بتركيا، بما في ذلك موقعها المحاذي لنقاط نزاع كبرى مثل سوريا، العراق، شرق المتوسط، والقوقاز. كما أثار النهج التركي في الحكم، خاصة بعد التوترات مع الاتحاد الأوروبي والانزياح نحو الحكم المركزي، تساؤلات لدى العواصم الغربية حول ضمانات الشفافية، الحوكمة، والاستقلال الرقابي في مشروع بالغ الحساسية كالمشروع النووي.

وفي الوقت ذاته، أثّرت الاعتبارات الاقتصادية والمالية سلبا. فتمويل مشروع نووي يتطلب التزامات طويلة الأجل وضمانات سيادية، وهي أمور ترددت المؤسسات الغربية، سواء الحكومية أو الخاصة، في توفيرها لأنقرة في ظل تاريخ من التضخم وعدم الاستقرار المالي. وترك هذا الغياب للثقة الاستثمارية فراغا إستراتيجيا سرعان ما استغلته روسيا.

وفي عام 2010، دخلت موسكو على الخط، مقدمة لأنقرة عرضا متكاملا ببناء وتشغيل وتمويل المحطة النووية وهو عرض لم تقدمه أي جهة غربية.

وهذا العرض، رغم جاذبيته من حيث خفض التكاليف الأولية على الدولة التركية، جاء مصحوبا بتحديات تتعلق بالسيادة الطاقية والاعتماد طويل الأجل على موسكو في التشغيل والتكنولوجيا والوقود وحتى التفكيك بعد انتهاء العمر التشغيلي.

ويرى خبراء أن فشل تركيا في جذب شريك غربي لا يعكس فقط فجوة في العلاقات الاقتصادية، بل يعكس أيضا ضعف الرؤية الموحدة داخل حلف الناتو بشأن مستقبل الطاقة النووية في دول الحلف التي تسعى لتنويع مصادرها دون الارتهان لروسيا أو الصين.

ويؤكد مراقبون أن غياب البدائل الغربية أجبر تركيا على الدخول في شراكة نووية تحمل أبعادا أمنية وجيوسياسية حساسة، مما يزيد من أهمية مراجعة سياسات التعاون الغربي في مجال الطاقة مع الدول متوسطة القوة، خاصة في ظل إعادة تشكل خرائط التحالفات العالمية.

شاهد أيضًا

الرئيس الزُبيدي من قلب المصفاة: مصافي عدن شريان استراتيجي.. ...

الإثنين/21/يوليو/2025 - 02:38 م

قام الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الإثنين، بزيارة تفقدية إلى شركة مصافي عدن


عدن على حافة فقدان أملٍ طبي.. "وحدة المناظير" في مستشفى الصد ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:30 م

في قلب العاصمة عدن، وتحديداً داخل مركز الأورام بمستشفى الصداقة، تقاوم "وحدة المناظير" في صمت الانهيار الوشيك الذي يهدد بقاءها، وسط ظروف اقتص


جنوبٌ على حافة التحوّل.. ما بين هيكلة القوة وبناء السيادة ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:00 م

في زمن التقلّبات الإقليمية والعواصف الداخلية، لا تُولد الدول إلا من رحم النظام والانضباط، ومن هنا، يعيد الجنوب ترتيب بنيته العسكرية ليس كاستعراض قوة،


الرئيس الزُبيدي يعين أنور التميمي ناطقًا رسميًا باسم المجلس ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 09:09 م

أصدر الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم الأحد الموافق 20 يوليو، القرار رقم (14) لعام 2025، قضت مادته الأولى بتعيي