في زمن التقلّبات الإقليمية والعواصف الداخلية، لا تُولد الدول إلا من رحم النظام والانضباط، ومن هنا، يعيد الجنوب ترتيب بنيته العسكرية ليس كاستعراض قوة، بل كإجراء استراتيجي له ما بعده.
وبينما تتصاعد الضغوط وتتزاحم المصالح، يطلّ الجنوب من جديد بمشروع يعيد هندسة مشهده الأمني، في خطوةٍ تبدو شجاعة وضرورية، لكنها – كما ترى "العين الثالثة" – تنبئ بما هو أعمق من إعادة انتشار الجنود أو دمج الكتائب: إنها لحظة اختبار لإرادة بناء الدولة.
الزُبيدي يفتح بوابة التحول: الجنوب لم يعد رقماً هامشيًا
حين يتحدث الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي عن الجاهزية، لا يقصد فقط الاستعداد للمواجهة، بل يتحدث عن الجنوب كقوة واعية بدورها، وكطرف فاعل في معادلات تتغير بتسارع، فالجنوب – بحسب وصف الزُبيدي – لم يعد مجرد ساحة تُدار فيها الحرب بالوكالة، بل أصبح رقماً صعباً في طاولة المعادلات الإقليمية والدولية، ورقماً لا يمكن تجاوزه.
في قراءة "العين الثالثة"، فإن دعوة الزُبيدي لإعادة هيكلة القوات الجنوبية هي دعوة ضمنية نحو بناء الدولة من بوابة الانضباط، وهي خطوة لا يمكن فصلها عن رؤية أكبر تتعلق باستعادة السيادة وترسيخ ملامح مشروع وطني مستقل.
الوقت ليس عادياً.. لماذا هذا التوقيت؟
تؤكد مصادر عسكرية مطّلعة أن ما يحدث اليوم في الجنوب ليس إجراءً روتينياً، بل تحوّل محوري فرضته لحظة فارقة، حيث تتشابك المتغيرات الإقليمية مع الانكشافات السياسية.
"العين الثالثة" تقرأ هذا التوقيت كإعلان خفي عن انتهاء مرحلة التجميد وبدء التحرك الجاد نحو مأسسة القوات، وبناء جهاز أمني لا يقوم على الشخصنة، بل على الانضباط المؤسسي والمعايير المهنية.
كما يشير محللون إلى أن إعادة الترتيب هذه تُعدّ تحضيراً للمراحل القادمة من التفاوض، حيث يكون النفوذ الحقيقي لمن يمتلك قوة مُنظّمة وعقيدة واضحة لا تخضع للاهتزاز.
المؤسسة الأمنية: بين إرث الماضي وتحديات المستقبل
في الجنوب، تراكمت عبر السنوات تشكيلات عسكرية متباينة في المرجعيات والانتماءات، بعضها وُلد في ظروف استثنائية، وبعضها ظلّ يعمل خارج الأطر النظامية.
لكن ما يجري الآن – بحسب رصد "العين الثالثة" – هو عملية تنظيم دقيقة، تهدف إلى إخضاع كل القوى المسلحة إلى منظومة قيادة موحدة، تقوم على مبادئ المهنية والمساءلة، في مسعى لخلق جيش وطني يحمل عقيدة جنوبية جامعة، لا تُشتّتْها المناطقية ولا تُضعفها الولاءات الصغيرة.
الجنوب يبني لمعادلة كبرى: الأمن أداة.. والسيادة غاية
إعادة ترتيب البيت العسكري الجنوبي ليست معزولة عن مشروع سياسي أشمل. ففي عمق الخطاب الجنوبي، تتضح معالم رؤية تؤمن بأن الأمن ليس غاية، بل أداة لبناء كيان سياسي قوي قادر على حماية قراره السيادي.
وتشير "العين الثالثة" إلى أن الهدف النهائي لهذا الترتيب العسكري هو خلق حالة من التوازن، تُمكّن الجنوب من الدخول في أية مفاوضات أو تحولات قادمة وهو ممسك بزمام المبادرة، لا تابعًا ولا رهينة.
الجنوب أمام مفترق طريق: إما نحو الدولة أو العودة للمجهول
الجنوب الآن أمام اختبار تاريخي، فإما أن يتحول إلى كيان مؤسسي منظم قادر على حماية منجزاته وفرض حضوره كطرف فاعل في أية تسوية، أو أن يترك المسار العسكري بلا قيادة موحدة، ما يعني العودة إلى المربعات الأولى من الصراع والانقسام.
وهنا تضع "العين الثالثة" يدها على جوهر اللحظة: لا أمن بلا مشروع، ولا سيادة بلا مأسسة، وكل خطوة تُتخذ في سياق هيكلة القوات، هي في الحقيقة خطوة نحو الكيان الجنوبي المستقل القادر على فرض شروطه، لا فقط التماهي مع شروط الآخرين.
الجنوب لا يعيد ترتيب قواته فقط.. بل يعيد تعريف نفسه
بين جاهزية العسكر واستعداد القيادة، يتحرك الجنوب في مشهد بالغ التعقيد، لكنه في جوهره يحمل فرصة نادرة لبناء كيان سياسي مستقر.
وفي هذا المفصل الحاسم، لا تكفي الخطب ولا البيانات، بل المطلوب هندسة متكاملة تبدأ من المعسكرات وتنتهي في مؤسسات الدولة، حيث القرار السيادي ينبع من الداخل، ويُصان بالإرادة والدم والوعي.
و"العين الثالثة" – كعادتها – ترصد ما خلف الكلمات، وتحلل ما بعد الصورة، فالجنوب لا يعيش فقط لحظة ترتيب، بل لحظة كتابة جديدة في دفتر التاريخ.
"العين الثالثة".. نرصد الحقيقة بعينين، ونقدّمها لكم بعين ثالثة.