في قلب العاصمة عدن، وتحديداً داخل مركز الأورام بمستشفى الصداقة، تقاوم "وحدة المناظير" في صمت الانهيار الوشيك الذي يهدد بقاءها، وسط ظروف اقتصادية خانقة وغياب أي دعم حكومي فعّال، وعلى الرغم من أنها تُعد من أهم الوحدات الطبية التي تقدم خدمات متخصصة بأسعار رمزية، إلا أن الواقع القاسي يضغط عليها أكثر من أي وقت مضى.
وفي تقرير ميداني أعدته الصحفية منى قائد لـ "العين الثالثة"، يتضح أن هذه الوحدة الحيوية باتت تعمل بشكل محدود للغاية، بعد أن كانت تقدم خدماتها الطبية طوال أيام الأسبوع، أصبحت اليوم تفتح أبوابها ليومين فقط، وبكادر طبي لا يتجاوز طبيبين اثنين، بسبب انسحاب معظم الأطباء نظراً لغياب الحوافز وتوقف الدعم المالي.
خدمة فريدة في مهبّ العجز
أشارت الزميلة منى قائد في تقريرها الخاص إلى أن وحدة المناظير ليست مجرد غرفة علاجية، بل نافذة مهمة للكشف المبكر عن أمراض السرطان، وخط دفاع أولي ضد أخطر الأمراض التي تفتك باليمنيين، خاصة في ظل محدودية المراكز المتخصصة في هذا النوع من الفحوصات.
ولأن غالبية المراجعين من ذوي الدخل المحدود، فإن الأسعار الرمزية التي تعتمدها الوحدة تعتبر طوق نجاة، إلا أن تلك الرسوم البسيطة لا تفي حتى بتكاليف التشغيل الأساسية، مع ازدياد أسعار المعدات الطبية وشحة المواد التشغيلية.
"العين الثالثة" ترصد.. والمجتمع في مأزق
توضح الكاتبة منى قائد في حديثها مع "العين الثالثة" أن الوضع لم يعد يحتمل مزيداً من الانتظار، فالميزانية التشغيلية للوحدة تكاد تكون معدومة، ما اضطر الكادر الطبي المتبقي إلى الاعتماد على مبادرات شخصية وجهود تطوعية.
وأضافت: "نحن نتحدث عن وحدة تنقذ حياة الناس، ولكن لا أحد يتدخل لإنقاذها".
وتشير المعلومات التي حصلت عليها "العين الثالثة" إلى أن الوحدة استقبلت مئات الحالات خلال الأشهر الماضية، معظمها في مراحل متقدمة نتيجة غياب إمكانيات الكشف المبكر في المحافظات المجاورة.
كارثة صحية وشيكة.. والصمت مستمر
تحذّر منى قائد في تقريرها المنشور عبر "العين الثالثة" من أن استمرار هذا الصمت الرسمي إزاء تدهور وضع الوحدة قد يؤدي إلى كارثة صحية حقيقية، خاصة مع اعتماد عدد كبير من الأسر عليها كمرفق وحيد يقدم هذه الخدمة بأسعار في متناول يد المواطن العادي.
وفي ظل تزايد الأعباء الاقتصادية، لا يبدو أن الوحدة ستصمد طويلاً، ما لم يتم تدارك الأمر، وبلغة الأرقام والواقع، فإن غياب الدعم المالي واللوجستي، يعادل فعلياً إصدار حكم بالإعدام البطيء على هذا المرفق الحيوي.
دعوة عاجلة للإنقاذ
وتدعو "العين الثالثة" إلى تحرك سريع من الحكومة، ووزارة الصحة، والسلطات المحلية، إضافة إلى المنظمات الدولية والمحلية، لتقديم الدعم اللازم لوحدة المناظير، بما يحمي حياة المئات من المرضى، ويمنع تفاقم الأزمة الصحية.
إنها ليست مجرد وحدة طبية، بل جبهة مقاومة إنسانية تقف في وجه المرض والفقر والخذلان، والحفاظ عليها واجب وطني وأخلاقي قبل أن يكون إجراءً طبياً.