آخر تحديث :الثلاثاء - 22 يوليو 2025 - 02:10 ص

اخبار العالم


سياسات الجزائر الخارجية: هل حان وقت مراجعة إستراتيجية العزلة؟

الإثنين - 21 يوليو 2025 - 12:33 م بتوقيت عدن

سياسات الجزائر الخارجية: هل حان وقت مراجعة إستراتيجية العزلة؟

العين الثالثة/ متابعات

منذ عقود، لا تزال العلاقات المغربية-الجزائرية عالقة في مأزق التوتر المزمن، غير القابل للحلحلة، والذي يتجاوز الخلافات الحدودية أو التباينات السياسية المعتادة بين الجيران إلى مستوى أعمق يرتبط بجوهر بناء الشرعية في الدولة الجزائرية.

ويرى الباحث في العلاقات الدولية الشرقاوي روداني في تقرير نشره موقع مودرن بوليسي أنه لا يمكن تفسير الموقف الجزائري العدائي تجاه المغرب فقط ضمن منطق الجغرافيا السياسية أو النزاع حول الصحراء المغربية، بل يبدو أقرب إلى خيار منهجي في صياغة هوية النظام الحاكم، واستخدام “الجار-الخصم” كوسيلة لبناء سردية داخلية تُقصي الحاجة إلى مراجعة الذات أو تجديد المشروع الوطني.

وتتحرك الجزائر منذ الاستقلال في إطار سياسي يعيد إنتاج شرعية واحدة تستند إلى إرث حرب التحرير، دون أن يواكب ذلك تحديث مؤسساتي أو إصلاح سياسي واقتصادي حقيقي، ما جعل النظام يتعاطى مع المغرب بوصفه “الآخر المؤسس” لوجوده، لاسيما في ظل غياب مشروع وطني جامع قادر على توحيد الداخل.

وأدى هذا الخيار إلى تكريس قطيعة دائمة، يتحوّل فيها العداء إلى عنصر تعبئة، لا مجرد نتيجة لخلافات ظرفية.

واللافت أن هذا الموقف لا ينبع من صراع أيديولوجي متماسك، ولا من مصالح إستراتيجية قابلة للتفاوض، بل من رغبة مستمرة في التغطية على فشل مشروع بناء الدولة، والتملص من مسؤولية الإصلاح.

استمرار المسار العدائي يعمّق عزلة الجزائر ويُضعف فرصها في لعب دور مؤثر داخل أفريقيا والمنطقة المغاربية

وفي المقابل، اختار المغرب نهجاً استباقياً يعكس دينامية مختلفة كلياً: مؤسسات راسخة في ظل ملكية ذات شرعية تاريخية، وتوجهات إصلاحية متدرجة، ودبلوماسية منفتحة على العالم، خصوصاً أفريقيا وأميركا اللاتينية والمحيط الأطلسي.

وخلال العقد الأخير، وقع المغرب أكثر من ألف اتفاق تعاون مع دول أفريقية، ودشّن شراكات اقتصادية عميقة، وأعاد بناء نفوذه داخل الاتحاد الأفريقي، حتى بات يُنظر إليه كفاعل محوري في توازنات القارة.

وأربك هذا التقدم المغربي الملموس الجزائر، التي وجدت نفسها في موقع متأخر، عاجزة عن مجاراة التحولات، فاكتفت بخطاب المظلومية الإقليمية، وتحويل قضية الصحراء إلى أداة لمعاداة المغرب بدل الانخراط في البحث عن حل واقعي.

وبرفضها أي حوار ثنائي مع الرباط، تمارس الجزائر سياسة إنكار موثقة، خصوصاً في ظل تجاهلها الصريح لاتفاق 6 يوليو 1961، الذي وقّعه قادة الحكومة الجزائرية المؤقتة مع المغرب، وتضمن التزاماً بتسوية مسألة الحدود الشرقية عبر التفاوض بعد الاستقلال.

ولم تكتف الجزائر، في سعيها الدائم لعزل المغرب، بدعم جبهة البوليساريو الانفصالية، بل أنفقت خلال العقود الماضية مليارات الدولارات لتمويل تحركاتها الدبلوماسية، دون أن تحقّق أي اختراق فعلي.

ومن الناحية الواقعية، يتضح أن مشروع الدولة الصحراوية الذي تروّج له الجزائر لم يكن يوماً نابعاً من قناعة بحق تقرير المصير، بل كان مناورة جيوستراتيجية تهدف إلى خلق منفذ نحو المحيط الأطلسي، يمنح الجزائر موقعاً خارج طوقها الجغرافي المغلق. لكن هذه الرهانات لم تجد حاضنة حقيقية داخل القارة، التي باتت تميل شيئاً فشيئاً إلى المقاربة المغربية القائمة على الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية كحل واقعي للنزاع.

وفي الوقت الذي تمكّن فيه المغرب من تحويل علاقاته الخارجية إلى روافع تنموية ودبلوماسية، بقيت الجزائر رهينة سياسة خارجية منغلقة، ترتكز على خلق الخصوم وشيطنة الجوار، حتى باتت محاصرة إقليمياً، بعيدة عن مبادرات جماعية فاعلة كالتعاون الساحلي أو مبادرة الأطلسي-الأفريقي.

ولم تعد تملك أوراق قوة جاذبة، لا في المجال الاقتصادي، ولا في الدبلوماسية متعددة الأقطاب. كما أن خطابها القومي المتشدد فقد الكثير من وجاهته أمام جيل جديد من الشباب الجزائري يرى في هذا النهج استنزافاً لطاقات الدولة، وهروباً من مواجهة التحديات الحقيقية التي تعانيها البلاد.

ومن المفارقات التاريخية أن الجزائر، التي كانت المستفيد الأول من دعم المغرب خلال ثورة التحرير، اختارت في العقود الأخيرة استثمار العداء بدل الذاكرة المشتركة، وتحويل التضامن المغاربي إلى صراع مصطنع.

ولا يمكن تفسير هذا السلوك إلا ضمن منظومة أمنية مغلقة، يسيطر عليها جهاز مخابرات متغلغل، صاغ هوية الدولة على أسس من الانغلاق، والخوف من الإصلاح، والحذر من كل ما يعكس نموذجاً ناجحاً في الجوار.

وهذا المنطق هو ما يجعل العداء للمغرب أحد أعمدة بقاء النظام، وأداة لصناعة إجماع زائف في الداخل، عبر تسويق فكرة “الخطر الدائم.”

وبدل أن تستثمر الجزائر في إصلاح داخلي حقيقي، وتنويع اقتصادها، وإدماج شبابها في الحياة السياسية، وجدت في العداء وسيلة لإعادة إنتاج نفسها، حتى ولو كان الثمن هو العزلة القارية، وتفويت فرصة الاندماج في ديناميات التنمية المشتركة.

في الوقت الذي تمكّن فيه المغرب من تحويل علاقاته الخارجية إلى روافع تنموية ودبلوماسية، بقيت الجزائر رهينة سياسة خارجية منغلقة، ترتكز على خلق الخصوم وشيطنة الجوار

لكن التاريخ يعلّمنا أن الأنظمة التي تبني وجودها على الصراع لا تستمر. فالدولة التي لا تجد لنفسها مشروعاً سوى مواجهة الآخر، تفقد بوصلة تطورها، وتبقى رهينة خطابها، وتنهار مع أول تحوّل داخلي.

ومنذ تأسيسها ككيان سياسي حديث، عانت الجزائر من غياب مشروع وطني مستدام يعكس تعددية مجتمعها وتعقيداته، ويرتكز على رؤية مستقبلية قادرة على تجاوز مرحلة التحرير.

وعلى الرغم من الزخم الثوري الذي رافق نيل الاستقلال سنة 1962، إلا أن البنية السياسية للدولة الناشئة لم تَبن مؤسسات تمثيلية مستقرة، بل تم احتكار السلطة من طرف النواة العسكرية-الأمنية التي تشكلت من جناح خارجي للثورة كان متمركزاً في الحدود.

وقد عملت هذه النواة على تصفية الحكومة المؤقتة الجزائرية التي كانت أكثر انفتاحاً على فكرة التفاوض مع المغرب، مما قطع باكراً مع منطق الدولة التوافقية، وأسّس لمرحلة من الانغلاق والتوجس من كل اختلاف، داخلي أو خارجي.

وساعد هذا السياق على نشوء سردية تعبوية تقوم على تغليب الشرعية التاريخية الثورية على الشرعية السياسية الديمقراطية، وهو ما خلق بنية ذهنية ترى في أي نموذج إصلاحي أو تعددي في المحيط تهديداً وجودياً.

وإذا لم تخرج الجزائر من هذا المنطق، فإن خسائرها لن تكون في العلاقات مع المغرب فقط، بل في موقعها داخل أفريقيا، وفي قدرتها على مجاراة التحولات العالمية، وفي إمكانها حتى على الحفاظ على تماسكها الداخلي.

الوقت لم يفت بعد، لكن الاستمرار في إستراتيجية العداء كمحور للسياسة الخارجية لن يقدّم للجزائر مشروعاً، ولن يصنع لها دوراً. وحدها المصالحة مع الجغرافيا والتاريخ، وفتح قنوات التعاون مع المغرب والمنطقة المغاربية، يمكن أن يعيدا للدولة الجزائرية ما فقدته: المعنى، والدور، والمستقبل.

شاهد أيضًا

الرئيس الزُبيدي من قلب المصفاة: مصافي عدن شريان استراتيجي.. ...

الإثنين/21/يوليو/2025 - 02:38 م

قام الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الإثنين، بزيارة تفقدية إلى شركة مصافي عدن


عدن على حافة فقدان أملٍ طبي.. "وحدة المناظير" في مستشفى الصد ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:30 م

في قلب العاصمة عدن، وتحديداً داخل مركز الأورام بمستشفى الصداقة، تقاوم "وحدة المناظير" في صمت الانهيار الوشيك الذي يهدد بقاءها، وسط ظروف اقتص


جنوبٌ على حافة التحوّل.. ما بين هيكلة القوة وبناء السيادة ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 10:00 م

في زمن التقلّبات الإقليمية والعواصف الداخلية، لا تُولد الدول إلا من رحم النظام والانضباط، ومن هنا، يعيد الجنوب ترتيب بنيته العسكرية ليس كاستعراض قوة،


الرئيس الزُبيدي يعين أنور التميمي ناطقًا رسميًا باسم المجلس ...

الأحد/20/يوليو/2025 - 09:09 م

أصدر الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، اليوم الأحد الموافق 20 يوليو، القرار رقم (14) لعام 2025، قضت مادته الأولى بتعيي