في مشهد يطغى عليه التناقض الفجّ بين الواقع المؤلم والرسائل الإعلامية المصطنعة، كشفت مصادر موثوقة لـ"العين الثالثة" عن تفاصيل مثيرة تتعلق بحملة إعلامية مموّلة من قبل نجل رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، تهدف إلى تحسين صورة والده وسط موجة غير مسبوقة من السخط الشعبي، تزامنًا مع تصاعد الأزمات المعيشية وتدهور الخدمات الأساسية، وعلى رأسها الكهرباء المتوقفة منذ أيام في العاصمة عدن.
إعلام على المقاس.. "العين الثالثة" تكشف المستور
تشير المعطيات التي حصلت عليها "العين الثالثة" إلى أن المبالغ التي تم صرفها لبعض الإعلاميين – ممن كانوا قبل أشهر من أبرز منتقدي حكومة بن مبارك – قد تجاوزت السقف المتوقع، في مقابل تغيير كامل في نبرة الخطاب الإعلامي، التي تحولت من الهجوم إلى التطبيل، ومن النقد إلى التبرير، في مسعى واضح لإعادة إنتاج صورة إيجابية عن العليمي وتحركاته الأخيرة في عدن، حتى في ظل واقع خدماتي متدهور وانقطاع كامل للكهرباء وتأخّر رواتب الموظفين الحكوميين.
شارع يغلي.. وكهرباء معدومة
ورصدت "العين الثالثة" حجم الاحتقان الشعبي المتزايد في الجنوب، وخاصة في العاصمة عدن، حيث تعيش الأحياء منذ أيام في ظلام دامس، مع تزايد الانقطاعات التي لم تعد ساعات محدودة، بل تجاوزت إلى أيام كاملة في بعض المناطق، وسط غياب أي توضيح رسمي أو خطط طارئة لمعالجة الوضع.
ومع حرارة الصيف اللاهبة، وارتفاع أسعار المولدات التجارية وكذا المنظومات الشمسية، لم يجد المواطن العدني بدًا من العودة إلى الشموع والمراوح اليدوية، في مشهد يعكس تدهورًا لم تشهده المدينة منذ سنوات الحرب الأولى.
تلميع مدفوع.. ومشهد سياسي مرتبك
تؤكد "العين الثالثة" أن الأزمة لم تعد خدماتية فقط، بل تمتد إلى عمق الأداء السياسي، حيث يتهم ناشطون ومراقبون نجل العليمي بتوجيه تمويلات ضخمة لإعلاميين وصحف ومواقع إلكترونية معينة، بهدف تغيير دفة الخطاب الإعلامي، والترويج لجهود "افتراضية" لرئيس مجلس القيادة، بينما الواقع يعج بالفشل وسوء الإدارة.
وأثارت هذه التحركات موجة انتقادات في الأوساط السياسية، وسط تساؤلات عن أولويات المرحلة، وهل ينبغي إنفاق المال العام على حملات علاقات عامة، أم على مشاريع كهرباء وإصلاحات هيكلية؟ خاصة وأن عدن اليوم لم تعد تحتاج إلى صورة مشرقة على شاشات التلفاز، بل إلى إنارة حقيقية تعيد الحياة إلى البيوت والشوارع.
ملفات فساد.. ومكافأة للفاسدين
وفي سياق متصل، كشفت "العين الثالثة" أن رشاد العليمي يُمارس ضغوطًا داخل المجلس الرئاسي لتمرير تعيينات في وزارات سيادية لصالح شخصيات متورطة بملفات فساد سابقة، بعضها خاضع لتحقيقات رقابية لم تُكشف نتائجها للرأي العام بعد.
مصدر حكومي سابق تحدث لـ"العين الثالثة" قائلاً: "ما يجري خلف الكواليس هو تقاسم مناصب وتوزيع امتيازات لأشخاص لا يملكون أي مؤهلات سوى الولاء السياسي أو العائلي، وهو ما ينذر بتفكك مؤسسات الدولة وغياب المهنية في أخطر مفاصلها".
الشارع يحتقن.. والاستقالة مطلب شعبي
مع تصاعد موجات الغضب الشعبي، بدأت دعوات واسعة تطالب العليمي بتقديم استقالته فورًا، معتبرة أن عهده شهد انهيارًا في جميع القطاعات الحيوية، وفقد السيطرة على أداء الحكومة، وتحوّل إلى واجهة شكلية لمجلس بلا فاعلية.
وعبر نشطاء عن استغرابهم من صمت العليمي تجاه معاناة المواطنين، مقابل نشاط إعلامي محموم يُصرف عليه من أموال كان من الأولى توجيهها لمعالجة أزمة الكهرباء أو دعم رواتب الموظفين.
العدسة المسلطة.. بين تزييف الصورة وصرخة الواقع
ترى "العين الثالثة" أن أخطر ما في هذه المرحلة، هو تغييب صوت الشارع الحقيقي لصالح خطاب إعلامي مصطنع، يسعى إلى قلب الحقائق وتزيين المشهد العام، رغم أن الواقع لم يعد يحتمل المزيد من الماكياج السياسي.
فحين تُنفق الأموال العامة على تلميع صورة القيادة، بينما تغرق عدن في العتمة، فإن ذلك ليس فقط استخفافاً بمعاناة الناس، بل تواطؤ مع الفشل وتحويل الإعلام من سلطة رقابة إلى بوق للتضليل.
عدن لا تحتاج إلى مرايا تعكس صورة زائفة، بل إلى مشروع حقيقي ينتشلها من السقوط.. و"العين الثالثة" تؤكد أن الوعي الشعبي بات أكثر نضجًا من أن يُخدَع بحملات دعائية ممولة، وأن ما يحتاجه الجنوبيون اليوم ليس صوتًا يُجمّل الواقع، بل قرارًا يُغيّره.
فهل يستفيق العليمي ومحيطه قبل أن يُكتب على العهد الحالي: "أُنيرت صورته... وأُطفئت مدينة بأكملها"؟