في وقتٍ يتراجع فيه الأمل وتغيب فيه المعالجات الجادة، تقف عدن على حافة الانهيار، لا يبدو الأمر مجرد أزمة عابرة، بل حالة متراكمة من الفشل الحكومي والانهيار الاقتصادي والخدماتي، في ظل تزايد الغضب الشعبي يوماً بعد آخر، وارتفاع الأصوات المنادية بالتحرك لإيقاف هذا الانحدار الذي طال كل مظاهر الحياة.
العاصمة التي تخنقها الأزمات
باتت عدن، العاصمة المؤقتة لليمن، تمثل نموذجاً حياً لمجتمع يُترك فريسة للظروف القاسية دون حلول، شوارعها تغلي من الغضب، وأسواقها تعكس واقعاً اقتصادياً خانقاً، وبيوتها تسكنها الظلمة مع انقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة، وسط صيفٍ ملتهب وحياة يومية باتت أقرب إلى صراع من أجل البقاء.
تقول أم خالد، وهي أم لخمسة أطفال في حي الشيخ عثمان: "ما عد فينا حيل نتحمل.. الكهرباء تنقطع أكثر مما تجي، والدخل ما يغطي حتى الخبز، كل يوم نعيش أسوأ من اليوم اللي قبله، وكأن الدولة قررت تتخلى عنا تماماً."
انهيار اقتصادي متسارع وغلاء لا يُطاق
شهد الريال اليمني خلال الأسابيع الأخيرة تدهوراً غير مسبوق، متجاوزاً حاجز 2800 ريال للدولار الواحد في السوق غير الرسمية، ما أدى إلى ارتفاع كبير في أسعار السلع الأساسية، من دقيق وأرز وزيت وغاز، إلى أبسط الاحتياجات اليومية.. وبات من الشائع رؤية موظفين حكوميين يعملون في مهن إضافية أو يلجؤون إلى الديون لتأمين الطعام، بينما يضطر آخرون إلى تقليص وجباتهم أو الاستغناء عنها كليًا.
يقول عبدالكريم، موظف حكومي في قطاع التعليم: "راتبي 80 ألف ريال، ومصاريف البيت تحتاج 500 ألف، ما في توازن بين الدخل والحياة، نحن نشتغل بس علشان نعيش على الحافة."
تلاشي الثقة في الحكومة.. ووعود لا تُصرف
ما يزيد الطين بلة هو غياب الحكومة عن المشهد رغم التصريحات المتكررة والوعود المتلفزة، لم يلمس الشارع أي تحسن فعلي، لا إصلاحات مالية، لا دعم إنساني كافٍ، ولا تدخل جاد لوقف التدهور.
يؤكد مراقبون أن ضعف أداء المؤسسات، وغياب الخطط الاقتصادية، وتفشي الفساد، كلها عوامل عمّقت الأزمة.. ويشير تقرير محلي إلى أن البنك المركزي فقد أدواته في السيطرة على السوق، ولم يتمكن من ضبط أسعار الصرف، أو إقناع المانحين بضخ دعم طارئ ينقذ الاقتصاد.
خدمات منهارة وأحياء بلا حياة
عدن لا تعاني فقط اقتصادياً، بل تشهد انهياراً واسعاً في خدماتها الأساسية، من كهرباء ومياه واتصالات، إلى صحة وتعليم، وكلها باتت خارج الخدمة الفعلية، الأحياء تغرق في الظلام، والمستشفيات تفتقر لأبسط الإمكانيات، والمدارس تعاني من شح المعلمين والكتب والمقاعد.
يقول أحد السكان في مديرية المعلا: "إذا مرضت، ما تلاقي دواء، وإذا عطشت، ما تلاقي ماء، وإذا شغّلت مروحة، ما في كهرباء، صرنا نعيش في ظروف أقسى من الحرب نفسها."
احتجاجات على الأبواب.. والشارع يغلي
في ظل هذا التدهور، تزداد مؤشرات الغليان الشعبي، مع تزايد الدعوات إلى التظاهر والعصيان المدني، وتنشط هذه الدعوات على مواقع التواصل الاجتماعي، وتجد صدى واسعاً بين فئات الشباب والمتقاعدين والموظفين وحتى التجار، الذين لم يعودوا قادرين على تحمّل مزيد من الخسائر.
ويحذر ناشطون من أن أي قمع أو تجاهل لهذه الدعوات قد يفجّر الأوضاع، خصوصاً مع تصاعد الإحساس بالعجز والخذلان لدى المواطنين، في وقتٍ تغيب فيه أي مبادرات فاعلة من الحكومة لامتصاص هذا الغضب.
إلى أين تتجه عدن؟
السؤال الذي يتردد في أذهان الجميع: إلى متى سيبقى الحال على ما هو عليه؟ وهل لا تزال هناك فرصة للإنقاذ؟ أم أن عدن تمضي نحو انفجار شعبي غير مسبوق ستكون له تداعيات واسعة على السلم الاجتماعي والاستقرار السياسي في الجنوب؟