لسنوات، كانت حضرموت – وخاصة ساحلها – تُضرب بها الأمثال كنموذج للاستقرار وسط صخب الحرب اليمنية، بعدما تخلصت من قبضة أحد أخطر التنظيمات الإرهابية في العالم، تنظيم القاعدة في جزيرة العرب، الذي سيطر على المكلا ومدن الساحل عامي 2015 و2016، قبل أن تطرده قوات النخبة الحضرمية بدعم إماراتي في عملية عسكرية نوعية أعادت الأمن والحياة للمدينة.
لكن، وكما ترصد العين الثالثة في تحقيقاتها الميدانية، هذا الاستقرار أصبح اليوم أمام تحديات متصاعدة، مع مؤشرات متزايدة على عودة نشاط الجماعات الإرهابية وتحالفها مع مليشيات الحوثي، في مشهد يثير قلق الأمن المحلي والإقليمي والدولي على حد سواء.
تحالف غير مألوف.. الحوثي والقاعدة في خندق واحد
مدير أمن ساحل حضرموت، العميد مطيع المنهالي، كشف في تصريحات حديثة عن “تعاون حقيقي وكبير بين مليشيات الحوثي وتنظيم القاعدة”، مؤكدًا أن الأجهزة الأمنية والاستخباراتية تمتلك معلومات كاملة حول طبيعة هذا التعاون، الذي لا يهدف فقط إلى استهداف حضرموت، بل إلى زعزعة الاستقرار في مناطق واسعة من الجنوب.
ويضيف المنهالي أن هذه التهديدات “ليست وليدة اليوم، بل هي نتاج تراكمات سابقة”، مشيرًا إلى أن الحوثيين يسعون، عبر تنسيق مع التنظيمات الإرهابية، إلى إعادة الفوضى إلى ساحل حضرموت من خلال استغلال أي خلافات داخلية، في محاولة لإرباك المشهد الأمني والسياسي.
ذاكرة الألم تمنح مناعة
وفقًا لمصادر محلية تحدثت إلى العين الثالثة، فإن أبناء ساحل حضرموت يحملون ذاكرة أليمة عن فترة حكم القاعدة، حين تحولت المكلا إلى بؤرة مغلقة للمتطرفين، وشهدت عمليات إعدام علنية، وفرض ضرائب قسرية، وغياب كامل لمظاهر الحياة الطبيعية. هذه التجربة القاسية جعلت المجتمع أكثر وعيًا وحساسية تجاه أي محاولات لإعادة تلك الحقبة المظلمة.
أحد شيوخ الساحل قال: “نعرف جيدًا ماذا يعني أن تعود القاعدة، ولن نسمح بتكرار الكابوس، حتى لو اضطررنا لحمل السلاح من جديد إلى جانب القوات الأمنية”.
تهديد عابر للحدود
تاريخيًا، لم يكن خطر القاعدة في حضرموت محصورًا داخل اليمن.. سيطرة التنظيم على الموانئ والسواحل مثّلت تهديدًا مباشرًا للأمن البحري الدولي في بحر العرب والممرات الملاحية الاستراتيجية.
وتحذير من أن أي عودة للتنظيم ستفتح الباب أمام عمليات تهريب السلاح والبشر، وتسهيل عبور عناصر إرهابية من وإلى القرن الإفريقي، إضافة إلى احتمالية تجدد أعمال القرصنة البحرية، ما يجعل التهديد يتجاوز حدود حضرموت إلى الأمن العالمي.
مخاوف من شبكة إقليمية
مصادر أمنية رفيعة أكدت لـ العين الثالثة أن هناك مؤشرات على وجود قنوات اتصال بين تنظيم القاعدة في جزيرة العرب وحركة الشباب الصومالية، وهو ما يرفع منسوب الخطر، إذ يمكن لهذا التنسيق أن يحوّل الساحل الحضرمي إلى نقطة ارتكاز لشبكة إرهابية إقليمية، تمتد عملياتها من القرن الإفريقي إلى الخليج العربي.
معركة الاستقرار
يرى خبراء أمنيون أن مواجهة هذه التهديدات تتطلب استراتيجية متعددة الأبعاد، تشمل:
1. دعم مستمر للقوات المحلية مثل النخبة الحضرمية، لضمان جاهزيتها ميدانيًا واستخباراتيًا.
2. تعزيز التنسيق بين الشرعية والتحالف العربي لتبادل المعلومات الاستخباراتية بسرعة وفعالية.
3. دور أكبر للمجتمع الدولي في دعم عمليات مكافحة الإرهاب، خاصة في المناطق الساحلية الحساسة.
4. تحصين الجبهة الداخلية عبر برامج توعية ومشاركة مجتمعية لقطع الطريق أمام أي تجنيد أو اختراق.
حضرموت، التي دفعت ثمنًا باهظًا للتخلص من القاعدة، تجد نفسها اليوم في مواجهة تهديد مزدوج: عودة التنظيم الإرهابي وتحالفه مع مليشيات الحوثي. وفي ظل هذا المشهد، يصبح الحفاظ على الساحل الحضرمي محصنًا من قوى الفوضى مسؤولية مشتركة، تتجاوز حدود اليمن لتشمل الإقليم والعالم.. "الاستقرار في حضرموت ليس مكسبًا محليًا فقط، بل هو خط دفاع أول عن أمن المنطقة بأسرها".
