آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 06:10 م

آراء

شَيِّخوا "مُثبَق" وصَدَّق

الأربعاء - 13 أغسطس 2025 - الساعة 11:44 م

الكاتب: علي محمد سيقلي - ارشيف الكاتب

يُروى أن أهل قرية فقدوا شيخهم الذي كان يدير أمورهم ويقضي حوائجهم، فاجتمعوا ليختاروا بديلًا يعوضهم فقدان كبيرهم، لكن كل واحد منهم أراد المنصب لنفسه.

وبينما هم يتجادلون، مر في السوق "حمار"، فاقترح حكيمهم ساخرًا: "لماذا لا نجعل هذا الحمار شيخًا علينا؟، على الأقل لن يظلم عند الحمار أحد".

التفتوا لبعضهم من باب الشورى بينهم، وسرعان ما قرروا "فكرة مقبولة، على الأقل أن الحمار لا يسرق، ولا يكذب، ولا يغش".

ألبسوه سرجا ملونا وسموه "الشيخ مُثبَق"، ووضعوه في صدر المجلس. ومن يومها، صاروا يأتون كل مساء ليعرضوا مشاكلهم أمام الحمار، ثم يعودون إلى بيوتهم مقتنعين، آمنين، مطمئنين أن العدل قد تحقق في عهده، لأن "زعيمهم لا يتكلم، ولا يخطئ".

مرت السنوات، والحمار لا يحل مشكلة ولا يمنع كارثة، لكن الناس ظلوا متمسكين به لأنه "رمز الوحدة"، ولأنهم أقنعوا أنفسهم أن أي بديل آخر سيكون أسوأ حالا من سلفه.

اليوم، يا سادة، كثير من البشر صاروا مثل أهل تلك القرية، يعرفون أن قائدهم لا يفقه شيئًا، ولا يحرك ساكنا، وربما لا يميز بين الحق والباطل، لكنهم يحيطونه بهتافات "بالروح بالدم نفديك يا....."، وكأنهم يقولون: "نحن سعداء بزعيم مثله، لأنه لا يفعل شيئا أصلا"، أقلها من باب المساواة بين الحاكم والمحكوم.

هؤلاء هم "القطيع" يفضلون الراحة على التغيير، ويقدسون الصمت لأنه يوفر عليهم عناء التفكير.

وكلما جاء أحد ليقول، "يا جماعة، هذا حمار"، صرخوا في وجهه، "اصمت يا جني، ولا تشق الصف وتجعلنا مسخرة بين الأمم، أكثر مما نحن فيه".

المفارقة أن القطيع لا يرى نفسه قطيعًا، بل يظن أنه "شعب واعٍ يختار بحكمة لا ينازعه عليها بشر"، بينما هو يختار من نفس الحظيرة منذ عرفته البشرية، بل إنه وبكل فخر يعلق على بابها لافتة مكتوب عليها بالخط العريض: "حمار من عندنا ولا أسد من عندهم".

ولهذا، سيظل الحمار في مكانه، والسرج على ظهره، والمكان عامر بالتصفيق، حتى يأتي يوم يكتشف فيه القطيع أن الحمار قد مات من زمان، وأنهم كل هذه السنين كانوا يحيّون "سرجا فارغا"، ثم يختلفون: هل ندفنه، أم نضعه في ثلاجة التبريد حتى لا يتعفن؟