آخر تحديث :الإثنين - 04 أغسطس 2025 - 03:43 م

قضايا


عدن تحت قبضة الامتيازات.. غضب جنوبي يتصاعد ضد احتكار مجموعة هائل سعيد ونهب مقدرات ما بعد الحرب

الإثنين - 04 أغسطس 2025 - 01:30 م بتوقيت عدن

عدن تحت قبضة الامتيازات.. غضب جنوبي يتصاعد ضد احتكار مجموعة هائل سعيد ونهب مقدرات ما بعد الحرب
.

العين الثالثة/ تقرير خاص

يتجدّد الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية جنوب اليمن حول الدور الذي تلعبه مجموعة هائل سعيد أنعم، كأكبر تكتل تجاري في البلاد، في ظل اتهامات متصاعدة باستغلال النفوذ السياسي منذ ما بعد حرب 1994، ومراكمة امتيازات على حساب مصالح أبناء الجنوب، وسط استمرار رفضها خفض أسعار المواد الغذائية رغم تحسن صرف الريال اليمني.


إرث الحرب: دعم عسكري ومكافآت اقتصادية
تعود جذور الأزمة، بحسب مراقبين، إلى ما بعد حرب صيف 1994، حين لعبت المجموعة دورًا داعمًا لنظام الرئيس السابق علي عبدالله صالح، عبر ما وُصف بـ"إسناد لوجستي ومالي" حاسم ضد الجنوب، وقد كُشف لاحقًا عن وثائق – من بينها رسالة شكر موجهة من صالح إلى عبدالجبار هائل سعيد – تؤكد هذا الدعم، في ما يراه جنوبيون شاهدًا على علاقة مريبة بين السلطة والمال.

وفي مقابل هذا "الدعم"، حصلت المجموعة، وفقًا لناشطين ومصادر مطلعة، على مساحات ضخمة من الأراضي والاستثمارات الحيوية، من أبرزها موقع "عدن مول" ومساحات واسعة من الأراضي في قلب العاصمة عدن، فضلاً عن امتيازات في الكسارات والشواطئ والمناطق التجارية، تحت مبرر "المجهود الحربي"، وهي صفقات لم تخضع لأي رقابة برلمانية أو مساءلة قانونية.

ميناء المعلا.. رصيف خاص واتفاقية "قرن"
واحدة من أكثر القضايا إثارة للجدل تتعلق باتفاقية وقعتها الحكومة اليمنية عام 2002، منحت بموجبها المجموعة حق إنشاء وتشغيل رصيف خاص بها في ميناء المعلا لمدة 100 عام، وهي اتفاقية وُصفت من قبل منتقدين بـ"اتفاقية العار"، لما تضمنته من إخلال صارخ بمبدأ السيادة الاقتصادية والرقابة الجمركية.

وبحسب تقارير اقتصادية متداولة، تحوّل هذا الرصيف إلى "معبر خاص" للمجموعة، يُستورد عبره كل ما تحتاجه من بضائع دون رقابة مشددة، ما أثار مخاوف من تسرب مواد مخالفة، وتجنب دفع الرسوم الجمركية والضرائب المستحقة، كما تحرّرت المجموعة فعليًا – بموجب هذه الاتفاقية – من الكثير من التزامات قانون الاستثمار، وهو ما شكّل "تشوّهًا اقتصاديًا" بحسب وصف محللين.

أسعار مرتفعة رغم تحسن العملة
وفيما كان اليمنيون يأملون بانفراجة بعد التحسن النسبي في سعر صرف الريال اليمني، صدمت مجموعة هائل سعيد الجميع برفضها خفض أسعار السلع الأساسية، وعلى رأسها الدقيق والزيوت والسكر، مبررة موقفها بتكاليف الشحن والاستيراد.

هذا الرفض أشعل غضبًا شعبيًا واسعًا في الشارع الجنوبي، الذي اعتبر الموقف نوعًا من "الابتزاز التجاري"، خاصة أن المجموعة تُعد من أبرز المحتكرين للغذاء في البلاد، وأكد ناشطون أن الأسعار بقيت مرتفعة رغم انخفاض سعر الدولار، ما يكشف – حسب تعبيرهم – "جشعًا تجاريًا لا يراعي الأوضاع الإنسانية والمعيشية للناس".

"الهيمنة الاقتصادية" في مرمى النقد
على وقع هذا التصعيد، تتصاعد الدعوات من قوى سياسية وشخصيات مجتمعية واقتصاديين جنوبيين لمراجعة شاملة لكافة الامتيازات التي حصلت عليها مجموعة هائل سعيد، وإخضاعها لقوانين الاستثمار الوطنية، بعيدًا عن "علاقات النفوذ والصفقات الغامضة".

ويطالب هؤلاء بإلغاء أو تعديل اتفاقية رصيف المعلا، وضمان رقابة الدولة على كل ما يُستورد عبره، وفتح ملفات الأراضي والمنشآت التي استحوذت عليها المجموعة عقب حرب 1994، كما دعا آخرون إلى ضرورة كسر احتكار المجموعة للأسواق، وتشجيع المنافسة العادلة وإعطاء الفرصة لرؤوس أموال جنوبية صاعدة.

ما وراء الاحتكار
في قراءة معمقة لـ"العين الثالثة"، تبدو قضية هائل سعيد ليست مجرد صراع أسعار أو جدل عقود قديمة، بل هي مرآة لعقود من التراكم غير العادل للثروات على أنقاض الهامش الجنوبي، حيث ارتبطت المصالح الاقتصادية الكبرى بعلاقات سلطوية شمالية، في تهميش واضح للجنوب بعد الحرب.

ويشير مراقبون إلى أن استمرار هذا الوضع من شأنه تعميق الفجوة بين المواطنين والدولة، وتكريس شعور بالظلم الاقتصادي، ما لم يتم اتخاذ إجراءات جدية لإعادة التوازن، من خلال سياسات اقتصادية عادلة، تضمن سيادة الدولة على مقدراتها، وتُخضع كل المجموعات التجارية – أيًا كان حجمها – لسلطة القانون.

ما يواجهه الجنوب اليوم ليس مجرد ارتفاع في أسعار السلع، بل هو صراع على الهوية الاقتصادية والسيادة على القرار التنموي والمطلوب، هو أن تعود العاصمة إلى أهلها، وأن تُصحّح مسارات الماضي بما يُنهي عقودًا من الاستحواذ، ويُعيد توزيع الثروة على أسس عادلة وشفافة.

في النهاية، لا يمكن الحديث عن تعافٍ اقتصادي حقيقي، دون تفكيك منظومات الاحتكار، ومراجعة الاتفاقيات التي جُيّرت لصالح قوى النفوذ، على حساب شعب دفع – ولا يزال – فاتورة باهظة من أجل استعادة كرامته وقراره.

شاهد أيضًا

الرئيس الزُبيدي يُحمّل القطاع التجاري مسؤوليته: خفّضوا الأسع ...

الإثنين/04/أغسطس/2025 - 03:43 م

التقى الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم، في العاصمة عدن، رشاد هائل سعيد أنعم، ن


الاقتصاد الجنوبي بين تغوّل الكيانات القديمة وغياب الرؤية الج ...

الإثنين/04/أغسطس/2025 - 02:40 م

قال الصحفي الجنوبي ياسر اليافعي إن الحديث عن مجموعة "هايل سعيد أنعم" لا يمكن فصله عن الامتيازات الكبرى التي حصلت عليها خلال العقود الماضية، معتبرًا أن


"تخفيضات وهمية؟".. جدل واسع حول أسعار الدقيق واحتكار السوق ب ...

الإثنين/04/أغسطس/2025 - 01:40 م

اشتعلت منصات التواصل الاجتماعي في اليمن بمنشورات ساخرة وغاضبة من "التخفيضات" التي أعلنتها مجموعة هايل سعيد أنعم وشركة النقيب، في ظل تراجع سعر صرف الري


عدن تحت قبضة الامتيازات.. غضب جنوبي يتصاعد ضد احتكار مجموعة ...

الإثنين/04/أغسطس/2025 - 01:30 م

يتجدّد الجدل في الأوساط الاقتصادية والسياسية جنوب اليمن حول الدور الذي تلعبه مجموعة هائل سعيد أنعم، كأكبر تكتل تجاري في البلاد، في ظل اتهامات متصاعدة