في مشهد آخذ في التوسع، يتحرك الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي بخطى واثقة داخل عمق المؤسسات الاقتصادية والخدمية في الجنوب، مدفوعًا برؤية تستدعي تاريخ الإنتاج وتطلعات المستقبل.
وبينما يتساءل الشارع الجنوبي: هل بدأت بالفعل مرحلة استعادة الجنوب الإنتاجي؟، تبرز الوقائع الميدانية كإجابات أولية توحي بتحوّل استراتيجي في فلسفة القيادة الاقتصادية.
خطوات اقتصادية مدروسة.. قراءة زمنية متأنية
رصدت العين الثالثة خلال الفترة الأخيرة مؤشرات أولية على توجّه اقتصادي ميداني من قبل الرئيس القائد عيدروس الزُبيدي، تمثّلت في زيارته الأولى لمصافي عدن، وهي زيارة بالغة الأهمية تحمل دلالات استراتيجية في سياق استعادة مؤسسات الدولة المنتجة.
ويتطلع الشارع الجنوبي لأن تكون هذه الزيارة بمثابة باكورة لسلسلة زيارات مرتقبة إلى مرافق اقتصادية وخدمية أخرى كبرى، من بينها ميناء الزيت، ميناء المعلا، مؤسسة الكهرباء، والمنطقة الحرة.
الزيارة لم تكن شكلية أو بروتوكولية، بل عكست إصراراً على إعادة بناء الثقة بين القيادة والمرافق الإنتاجية، وفتحت الباب واسعاً أمام مرحلة جديدة من استنهاض أدوات الدولة الاقتصادية.
التحليل الزمني لتلك التحركات يُظهر تركيزاً متعمداً على المؤسسات ذات التأثير المباشر في الاقتصاد المحلي، ما يشير إلى خطة شاملة تسير وفق جدول تنفيذي لا يخلو من البُعد الاستراتيجي.
انعكاسات على الوعي العام والمؤسسي
لا تخطئ العين حجم التأثير الذي أحدثته هذه الزيارات في المزاج العام، فقد أعادت لعمال المصافي والأرصفة والمرافق الخدمية شيئاً من الثقة، وأحيت الأمل بإمكانية انتشال هذه المؤسسات من هوّة التعطيل والفساد.
ووفقاً لما وثقته العين الثالثة من داخل المؤسسات ذاتها، فقد حرّكت زيارات الزُبيدي المياه الراكدة، ودفعت إدارات بعض المرافق إلى إعادة ترتيب أوراقها، سواء من حيث الجاهزية التشغيلية أو التواصل مع القيادة السياسية العليا، وهو تطور يُسجل لصالح تقارب المؤسسة والدولة.
بين الخطاب السياسي والسلوك التنفيذي
لطالما تحدث الزُبيدي في خطاباته عن ضرورة امتلاك الجنوبيين لأدواتهم الاقتصادية، وهو ما أثار في السابق تساؤلات حول آليات التنفيذ، لكن المفارقة التي رصدتها العين الثالثة اليوم تكمن في أن الخطاب السياسي بدأ يتقاطع مع ممارسات واقعية على الأرض.
الانتقال من مستوى الشعارات إلى الفعل الميداني، وخاصة في ظل تعقيدات المشهد السياسي والاقتصادي، يُعد مؤشرًا واضحًا على أن التحول من “الجنوب الثائر” إلى “الجنوب المنتج” قد انطلق فعلياً، ولو على شكل خطوات تأسيسية.
خارطة طريق مقترحة لتعزيز التحول
إن المراقبة الدقيقة لحراك الزُبيدي تفتح المجال لطرح جملة من التوصيات التي من شأنها ترسيخ التحول الإنتاجي في الجنوب، منها:
-
تحصين المؤسسات المنتجة تشريعيًا من خلال قوانين تحمي استقلاليتها وتضمن عدم تسييسها.
-
تعزيز الشفافية عبر نشر تقارير دورية عن أداء المؤسسات، بما يعزز الثقة بين المواطن والدولة.
-
بناء شراكات مع الكفاءات الجنوبية داخل الوطن وخارجه، لتفعيل الخبرات المتراكمة والمهاجرة.
-
تشجيع الإنتاج المحلي عبر برامج دعم تتكامل فيها الحكومة مع القطاع الخاص.
ما بين الفرصة والتحدي
في خضم هذا الحراك، تدرك "العين الثالثة" أن الطريق نحو استعادة الجنوب الإنتاجي محفوف بالتحديات، من تركة الفساد المتجذر، إلى تدخلات المراكز المتنفذة، وصولًا إلى هشاشة البنية التحتية.
لكن في المقابل، فإن ما يميز هذه اللحظة التاريخية هو امتلاك القيادة لإرادة سياسية بدأت تتجسد في سلوك تنفيذي ميداني، ما يجعل من كل مؤسسة يزورها الزُبيدي بمثابة لبنة جديدة في صرح الجنوب المنتَج، لا الجنوب المُستنزَف.
إن اللحظة الاقتصادية التي يصنعها الزُبيدي ليست مجرد انعكاس لحراك سياسي، بل هي محاولة جادة لوضع أسس جديدة لجنوب مختلف، جنوب يحمي سيادته الاقتصادية كما يحمي جبهاته القتالية، ومع كل زيارة لمؤسسة خدمية أو منشأة اقتصادية، تزداد القناعة بأن الجنوب بدأ يكتب فصلاً جديداً من تاريخه، عنوانه: "الاستقلال لا يكتمل إلا بالإنتاج".