لم تكن عودة الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي ونائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، إلى العاصمة عدن حدثًا عابرًا في سياق الزيارات الرسمية المعتادة، بل مثلت هذه العودة لحظة فارقة أعادت خلط الأوراق في المدينة التي تعيش على وقع أزمة معيشية خانقة وضغط شعبي متصاعد.
"العين الثالثة" رصدت مشهدية هذه العودة وسط موجة من الترقب والتفاؤل الحذر، حيث عبر المواطنون عن آمالهم في أن تكون لحظة مفصلية تؤسس لتحول ملموس يعيد التوازن للمشهد السياسي والخدمي على حد سواء.
الشارع العدني: ترحيب مشوب بالتساؤلات
استقبل المواطنون الزُبيدي بمشاعر مختلطة؛ مزيج من الحفاوة الشعبية والانتظار الثقيل لما سيحمله من خطوات، يرى كثيرون أن هذه العودة، رغم رمزيتها، لن تعني شيئًا إذا لم تتبعها قرارات استثنائية تُعيد الاعتبار لعدن كمركز سياسي وإداري.
وفي حديثهم لـ "العين الثالثة"، طالب مواطنون بأن لا تكون هذه العودة مجرد حدث إعلامي، بل بوابة فعلية لمعالجة الانهيار الخدمي المتواصل، مؤكدين أن المدينة لم تعد تحتمل المزيد من التطمينات المجردة.
عدن في قلب العاصفة.. والمجلس في قلب المسؤولية
تعيش عدن تحت ضغط كبير من التحديات؛ الكهرباء منقطعة، المياه شحيحة، الأسعار ترتفع، والرواتب إما متأخرة أو غير كافية. وفي ظل هذه الظروف، يبدو المجلس الانتقالي أمام اختبار حقيقي، فالجماهير التي خرجت دعمًا له في مراحل مفصلية، باتت اليوم تطالبه بالأفعال لا الأقوال.
"العين الثالثة" تتابع عن كثب هذا التحول في المزاج الشعبي، وترى أن صبر الناس بدأ ينفد، وأن المسؤولية المباشرة الآن تقع على القيادة، خصوصًا في ظل التراجع الواضح لأداء الحكومة في الملفات الحيوية.
الزُبيدي والعودة إلى الميدان: كسر العزلة السياسية؟
عودة الزُبيدي في هذا التوقيت بدت أقرب إلى محاولة كسر العزلة المفروضة على المجلس الانتقالي، والتي تجلت بوضوح في تهميش قراره داخل منظومة السلطة. ومع تصاعد الشكاوى من شلل مؤسسات الدولة، بدا لافتًا أن الزُبيدي اختار أن يكون في الميدان، لا في البيانات.
مصدر في المجلس تحدث لـ "العين الثالثة" مؤكدًا أن الزُبيدي يسعى حاليًا لتفعيل أدوات المواجهة الخدمية والإدارية على الأرض، وأن هناك ترتيبات لخطوات إصلاحية مرتقبة، ستكون أكثر جرأة ووضوحًا مما سبق.
هل ما زالت الشراكة مجدية؟
الشراكة التي خاضها المجلس الانتقالي في إطار الحكومة ومجلس القيادة الرئاسي تواجه اليوم اختبار الشرعية الشعبية، فالجنوبيون، بحسب استطلاع أجرته "العين الثالثة"، يشعرون أن هذه الشراكة لم تعد تضمن مصالحهم، بل أصبحت في كثير من الحالات عائقًا أمام إنجاز الملفات العالقة.
في ظل هذا الواقع، تتزايد الدعوات لإعادة تقييم العلاقة مع الأطراف التي تتعمد تعطيل الخدمات، والتآمر على استقرار المحافظات الجنوبية عبر أدوات داخلية في السلطة المركزية.
الرئيس القائد.. مطالب بتحول استثنائي لا مجرد حضور رمزي
ترى "العين الثالثة" أن التحدي الحقيقي أمام الرئيس الزُبيدي اليوم، ليس في قدرته على التعبير عن تطلعات الشارع، بل في امتلاكه إرادة التغيير الجذري، وجرأة الخروج من مربع الشراكة المقيدة إلى ميدان الفعل السيادي.
الجماهير لا تنتظر خطابات أو توجيهات، بل قرارات تُترجم إلى كهرباء في الأسلاك، ومياه في الخزانات، ورواتب في جيوب الموظفين. وهي أيضاً تريد آليات محاسبة داخلية تضع حدًا للعبث الإداري والفساد المستشري.
رسائل الشارع: لا مجال للمزيد من الأعذار
الرسالة التي حملها المواطنون بشكل غير مباشر في استقبالهم الحار للزُبيدي هي: "ما زلنا نثق بك، لكننا ننتظر منك ما يوازي هذه الثقة".
"العين الثالثة" رصدت تحذيرات من ناشطين وقادة رأي جنوبيين من أن استمرار الوضع على ما هو عليه قد يؤدي إلى موجة غضب لا يمكن التحكم بها، داعين المجلس إلى مغادرة مربع الانتظار نحو قرارات نوعية تُعيد تشكيل المشهد.
الفرصة الأخيرة قبل الانفجار
عدن على مفترق طرق. إما أن تتحول إلى واجهة التغيير الجنوبي المنشود بقيادة الزُبيدي، أو تغرق في مستنقع الفشل والتهميش. والكرة اليوم في ملعب المجلس الانتقالي، الذي يجب عليه أن يتحمل مسؤولياته كاملة، دون تبرير أو مواربة.
كما ترى "العين الثالثة"، فإن بقاء الزُبيدي في عدن يجب أن يكون ميدانياً لا إعلامياً، تنفيذياً لا بروتوكولياً، فعدن لا تحتاج إلى زائر سياسي، بل إلى قائد إنقاذ يحمل على عاتقه أوجاع الناس، ويترجمها إلى سياسات وقرارات لا تعرف التردد.
