في بلدٍ تتآكل فيه مؤسسات الدولة وتتعثر فيه أبسط الخدمات الأساسية، باتت المعركة الحقيقية لا تُخاض من أجل الخبز أو الكهرباء، بل حول امتيازات الناشطين وأروقة الوزارات، وتتبعت "العين الثالثة" خيوط المشهد المعقّد، والذي أعاد الصحفي صالح أبو عوذل تسليط الضوء عليه بمقالٍ لافت على صفحته بموقع "فيسبوك"، كاشفًا جزءًا من لعبة الظلال داخل "خيمة الشرعية".
معركة الحقائب أم بورصة الولاء؟
يشير أبو عوذل في مقاله إلى صدام مكتوم بين رئيس الحكومة أحمد بن بريك ورئيس مجلس القيادة رشاد العليمي، اندلع على خلفية إصرار الأخير على تعيين أحمد المعبقي وزيرًا للمالية ومحافظًا للبنك المركزي، في وقت كان بن بريك يتمسك بالمنصبين كشرط مسبق لتوليه رئاسة الحكومة.
لكن ما لم يُعلن رسميًا – كما كشفه أبو عوذل – هو أن هذه المواجهة لم تُحل بالحوار، بل بـ"ميزانية صامتة" قُدرت بـ100 ألف دولار، مخصصة لتطويع الأصوات الإعلامية في الداخل والخارج.
خطة المئة يوم.. تبدأ من الناشطين!
ما أسماه بن بريك بـ"خطة المئة يوم" لإصلاح الحكومة، لم تبدأ بخفض الأسعار أو رفع كفاءة الكهرباء، بل كما أشار أبو عوذل بسخرية مرة، بدأت بصرف مخصصات الناشطين وتوزيع الولاءات.
ويبدو أن الحكومة لا ترى مانعًا في استئناف صرف تلك "البدلات السياسية"، طالما أنها تُبقي الساحة الإعلامية تحت السيطرة، وتضمن ولاء شريحة من الفاعلين الرقميين، في وقت لم يتلقَّ فيه المعلمون أجورهم، ولا يجد فيه المرضى دواءهم.
الناشطون: منابر مدفوعة أم صوت الشارع؟
بحسب تحليل "العين الثالثة"، ووفق ما أكده أبو عوذل في مقاله الاستقصائي المُضمن بالمجاز السياسي، فإن كثيرًا من الناشطين باتوا "أوراقًا سياسية" تُستخدم في معارك النفوذ، وأحيانًا تُمول من جهتين متصارعتين في آنٍ واحد.
هذا الاستخدام المزدوج للخطاب الإعلامي لم يعد سرًا، بل تحوّل إلى نهج يتكرر منذ سنوات، تحت سمع وبصر الجهات الرسمية، التي تركت الخدمات تنهار، وفضلت ضخ الأموال في جيوب "صنّاع المحتوى السياسي"، على حساب الجياع والعاطلين عن العمل.
خيمة الشرعية.. مزقها المال وأغلقها السفير
رصدت "العين الثالثة" أن مفاتيح الحلول لا تكمن اليوم في عدن، بل تُدار من خارج الحدود، وهي الفكرة التي عبّر عنها أبو عوذل بقوله إن "الخبز والماء بيد السفير"، في إشارة ساخرة إلى الدور الخارجي في صياغة التفاصيل المحلية، حتى في أبسطها.
ولا يبدو أن هناك مخرجًا قريبًا من هذا التيه، طالما أن مخصصات الإعلام تُقدّم على معاشات الموظفين، وأن الولاء يُشترى بالدولار، بينما تصرخ عدن كل يوم تحت وطأة العطش والظلام.
وطنٌ للبيع.. نقدًا أو صمتًا
من يقرأ ما كتبه صالح أبو عوذل، ويطالع واقع عدن المأزوم، يدرك أن المسألة لم تعد مجرد "تقصير حكومي" أو "عجز مؤقت"، بل سقوط أخلاقي وإداري متكامل، جعل من السياسة بازارًا مفتوحًا، ومن النضال الوطني، صفحة ممولة.
وإلى أن يُعاد تعريف الدولة في ذهن صانع القرار، سيظل العدني يتساءل: هل بقي في الوطن ما لم يُعرض للبيع بعد؟ وهل ستأتي لحظة يُصرف فيها كهرباء ودواء بقدر ما يُصرف على الموالين؟
العين الثالثة.. نرصد الحقيقة بعينين، ونقدمها لكم بعين ثالثة.