بينما تعاني عدن من أزمات متتالية خانقة، وتكابد لاهثة تحت وطأة الحر والفساد وتراكم الخذلان، برزت تحركات سياسية غير مفهومة في المدينة، تقودها أطراف كانت حتى الأمس القريب ضمن منظومة الفشل التي أسقطت مشروع الدولة، أو وقفت صامتة أمام انهيارها.. ووسط هذا المشهد الغائم، تطرح "العين الثالثة" تساؤلات كبيرة حول ما يجري في الخفاء، وما إذا كان الجنوب – بكل آماله وتضحياته – على موعد مع إعادة تدوير الكارثة.
تمكين جديد.. بنفس الوجوه القديمة
في منشور عميق ومكاشف، نشره الصحفي الجنوبي ياسر اليافعي على صفحته في "فيسبوك"، سلّط الضوء على ما وصفه بـ"عودة الدولة العميقة" بأدوات أكثر فتكًا، وتحالفات لم يكن أحد يتخيل حدوثها حتى في ذروة حكم الرئيس السابق عبدربه منصور هادي.
المنشور، الذي تتبناه “العين الثالثة” كنقطة انطلاق، لا يكتفي بتشخيص الأزمة، بل يفضح مسارات سياسية مشبوهة تُنسج بهدوء لإعادة تموضع منظومات كانت السبب الرئيسي في انهيار الدولة وفقدان الجنوب لبوصلته.
الرسالة المركزية في المنشور كانت واضحة: "وقفنا يومًا ضد منظومة هادي حين اختطفت الدولة باسم الشرعية.. اليوم المشهد يُعاد بأدوات أكثر نفاقًا".
صُنّاع الأزمات يعودون عبر البوابة الجنوبية
بحسب ما رصدته “العين الثالثة”، فقد تحوّلت عدن في الأسابيع الأخيرة إلى ما يشبه “غرفة عمليات” تُدار منها ترتيبات سياسية يشارك فيها وجوه من الصف الأول في نظام ما قبل 2015، أبرزهم سلطان البركاني، ورشاد العليمي، وآخرون محسوبون على تيارات الفساد والارتهان.
اللافت أن هذه التحركات تجري في الوقت الذي تعاني فيه عدن من انقطاع شبه دائم للكهرباء، وغياب كامل للخدمات، وارتفاع غير مسبوق في أسعار الغذاء والدواء، وانهيار للعملة.
وفي الوقت الذي يسخّر فيه المواطنون ما تبقى من طاقتهم للبقاء على قيد الحياة، تستضيف المدينة ذاتها مشاورات مكيفة، تتجاهل صرخات الشارع، وتدير ظهرها لعدالة القضية الجنوبية.
أين القيادات الجنوبية؟
السؤال الأكثر حضورًا – والذي تبنّاه اليافعي، وتنقله “العين الثالثة” بوضوح – يتمثل في الصمت الجنوبي المُريب، فأين ذهبت القيادات التي طالما تحدثت باسم القضية؟ ولماذا يبدو المشهد وكأن الجنوب قد فوّض أمره مجددًا لأولئك الذين حاربوه يومًا؟ هل هي تسوية سياسية تحت الطاولة؟ أم حسابات توازنات دولية تركت المواطن الجنوبي بلا ظهر؟
بحسب مصادر فإن عددًا من قيادات المجلس الانتقالي تلتزم صمتًا مريبًا تجاه هذه التحركات، ما فتح الباب أمام الشكوك والتأويلات، خصوصًا مع استمرار الغياب عن المشهد الميداني في ظل هذه المرحلة الحساسة.
المطبخ السياسي يعبث بمصير الجنوب مجددًا
العودة القوية لشخصيات من رموز الإخوان والمؤتمر، والوجود النشط لممثلين عن شبكات الفساد التي عبثت بالبلاد خلال العقود الماضية، يكشف عن “هندسة سياسية خفية” تُطبخ في كواليس لم يُعلن عنها، لكنها ترتكز على شيء واحد: تهميش الجنوب، أو إعادة إخضاعه لتوازنات قوى لا تؤمن بقضيته.
والمثير للريبة، أن ما يُنسج اليوم في عدن، يُراد له أن يظهر في الإعلام كمشهد “توافقي”، بينما في حقيقته – بحسب “العين الثالثة” – هو مشروع لطمس كل مكتسبات القضية الجنوبية، وإعادة إنتاج نظام سياسي يحتقر إرادة الناس.
التاريخ لن يرحم، والصمت جريمة
اختتم اليافعي منشوره برسالة صارخة: "الخذلان لا يُغتفر، والتاريخ لا يرحم.. هذا زمن لا يقبل الأقنعة".. وهو ما يؤكد، مرة أخرى، أن مسؤولية الجنوب لم تعد محصورة في مواجهة الشمال أو القوى المعادية فقط، بل في مواجهة الخذلان الداخلي، والتواطؤ الصامت، الذي ربما يكون أكثر خطورة من الخصوم المعلنين.
عدن.. مخطوفة سياسيًا
عدن ليست مدينة منهارة فقط، بل مدينة مخطوفة سياسيًا، وإذا لم يُرفع الصوت الجنوبي عاليًا في وجه ما يُدبّر، فإن المشهد القادم لن يحمل سوى مزيد من الإقصاء والخذلان.
الفرصة لا تزال قائمة، لكن الثمن قد يكون غاليًا، والصمت قد يصبح شراكة في الجريمة.
هل تتحرّك “القيادات الصامتة” قبل فوات الأوان؟ وهل يرى الشارع الجنوبي من يعبّر عنه بحق.. قبل أن تُحسم الملفات خلف الأبواب؟