في الوقت الذي تكافح فيه العاصمة عدن للبقاء واقفة على قدميها، تتسارع حلقات الانهيار المعيشي والخدمي لتخنق ما تبقى من أمل في مدينة أنهكها الانتظار، وسط واقع اقتصادي واجتماعي يتجه نحو المجهول، وحكومة لا يبدو أنها تملك من أدوات المواجهة سوى التصريحات المتكررة والوعود المؤجلة.
مدينة بلا أفق.. غضب يتصاعد وصمت رسمي مستمر
في شوارع عدن، لم يعد الغضب شعورًا مكبوتًا، بل تحوّل إلى ملامح يومية في وجوه الناس، وإلى شكاوى تفيض بها مواقع التواصل، وتصريحات غاضبة في لقاءات عفوية على الأرصفة، فالوضع المعيشي بات يلامس خطوطًا حمراء في كل جوانب الحياة: المواد الغذائية بأسعار خيالية، الخدمات منهارة، والعملة المحلية تتهاوى بلا كوابح.
في ظل هذه الظروف، لا يجد المواطن في عدن تفسيرًا لصمت الحكومة سوى التواطؤ أو العجز، إذ لم تُقدَّم حتى الآن أي خطوات حقيقية على الأرض، بل مجرد بيانات متفرقة ووعود معلّقة لا تلامس احتياجات الناس اليومية.
انهيار اقتصادي بلا فرامل.. والريال في غرفة الإنعاش
العملة المحلية تواصل انهيارها أمام العملات الأجنبية، ما تسبب في موجات غلاء متكررة طالت كل شيء من الدقيق والزيت وحتى المواصلات، ومع غياب الرقابة وضعف أداء البنك المركزي، أصبحت الأسواق ميدانا مفتوحًا للفوضى والتلاعب، بينما يقف المواطن أعزل بين أسعار تتضاعف ومداخيل لا تتغير.
وتؤكد مصادر اقتصادية أن استمرار توقف تصدير النفط، وتراجع الدعم الخارجي، وفقدان الثقة بالسياسات المالية، ساهم في تعميق أزمة السيولة، وتوسيع الهوة بين المواطن والقدرة الشرائية.
الكهرباء.. عصب الحياة يتحول إلى رفاهية
كأنّ الانهيار الاقتصادي لا يكفي، حتى جاءت أزمة الكهرباء لتضيف إلى معاناة عدن فصلاً جديدًا من الألم، في واحدة من أكثر مدن البلاد حرارة، لا تصل الكهرباء إلى المنازل إلا لساعات متقطعة، وفي بعض الأحياء لا تصل أبدًا، بينما المولدات الخاصة باتت الخيار الوحيد لمن يملكون القدرة على دفع تكاليفها الباهظة.
ويشير مسؤولون محليون إلى أن معظم محطات التوليد تعمل بقدرة متدنية نتيجة شح الوقود، وتعقيدات في التمويل، وانعدام الصيانة، وسط تقاذف للمسؤوليات بين الحكومة المركزية والسلطات المحلية.
الوعود الحكومية.. بين التسويف والانفصال عن الواقع
منذ بداية العام الحالي، أطلقت الحكومة أكثر من خمسة وعود مرتبطة بتحسين الخدمات، وصرف المرتبات، واستقرار العملة، لكنها لم تُترجم إلى أفعال ملموسة.. لا مشروعات طارئة، ولا لجان نزول ميداني، ولا حتى خطاب حكومي يعبّر عن إدراك لحجم الأزمة، كل ما يصل إلى الناس، تصريحات عامة تُلقى من عواصم خارج البلاد، تُخدّر الرأي العام لكنها لا تغيّر شيئًا من الواقع.
تقول إحدى المواطنات من مديرية المنصورة: "نعيش على أمل انطفأ، تعبنا من الانتظار.. لا كهرباء، لا ماء، لا راتب.. أطفالنا ينامون على عرقهم، والحكومة مشغولة بالمؤتمرات الخارجية".
الشارع يغلي.. ولكن دون قيادة
رغم موجة الغضب المتصاعدة، يظل الحراك الشعبي في عدن بلا تنظيم واضح، فالنقابات صامتة، ومنظمات المجتمع المدني غائبة، بينما يتزايد الحديث عن تحركات احتجاجية قريبة قد تتجاوز الأطر التقليدية، في ظل شعور متزايد بأن الحكومة لا تنتمي لنبض الشارع ولا تعبأ بمعاناته.
ويحذر مراقبون من أن استمرار هذا الصمت الحكومي، في مقابل توسع الاحتقان الشعبي، قد يقود إلى انفجار اجتماعي يصعب التحكم به، خصوصًا في ظل تآكل الثقة بالمؤسسات، واتساع رقعة الفقر والبطالة.
عدن مدينة تبحث عن دولة
عدن اليوم ليست مجرد عاصمة مؤقتة، بل مدينة تبحث عن حد أدنى من الكرامة، في كل زاوية من زواياها صرخة مكتومة، في كل شارع قصة ألم، وفي كل بيت حكاية انتظار.. الوجع لم يعد احتمالًا، بل حقيقة، والحكومة – بكل أطيافها ومكوناتها – مطالبة بتحمّل مسؤولياتها أو الرحيل، فالناس لم يعودوا يريدون خطابات، بل يريدون ماءً وكهرباء ودواءً وسوقًا لا ينهبهم، ودولة تنتمي إليهم لا تنساهم.