غياب الدعم يكشف أزمة ثقة داخلية وخارجية.. والموازنة تكشف "عبثاً منظماً" في إدارة الإيرادات
رغم مرور أسبوعين على أدائه اليمين الدستورية، لا يزال رئيس الحكومة اليمنية الجديد سالم بن بريك في العاصمة السعودية الرياض، مبررًا غيابه عن العاصمة المؤقتة عدن بـ"المتابعة الحثيثة" لتأمين دعم اقتصادي عاجل، وفق ما نقلته وكالة "سبأ" عن مصدر حكومي.
لكن هذا التبرير الذي بدا أقرب إلى خطاب علاقات عامة، لم يُخفِ المضمون الحقيقي للتصريحات: لا دعم مالي حتى اللحظة، وعودته إلى عدن مرهونة بإحراز نتائج ملموسة، لا سيما في ملفات الرواتب والكهرباء واستقرار العملة.
المثير أن الخطاب الرسمي لم يكتفِ بتعليق الآمال على الدعم الخارجي، بل ذهب حد التحذير من "مجاعة كارثية" وانهيار اقتصادي وشيك، في محاولة واضحة للضغط على التحالف والمانحين، وكأن الحكومة تسعى للهروب إلى الأمام عبر استجداء الدعم بدل مواجهة الواقع بإصلاحات حقيقية.
أزمة ثقة لا أزمة تمويل
غياب الدعم لا يعكس فقط أزمة مالية، بل يكشف ما هو أعمق: أزمة ثقة، فالمجتمع الدولي وشركاء التحالف -بحسب متابعين- لا يرون جدوى من ضخ المزيد من الأموال في حكومة تفتقر إلى الشفافية والكفاءة، وتُتهم منذ سنوات بإهدار المال العام وسوء إدارة الموارد.
التقارير الصادرة عن البنك المركزي في عدن تؤكد هذه المخاوف، حيث يظهر تقرير العام 2023 أن بند "الإعانات والمنافع الاجتماعية" –المعروف شعبيًا بكشوفات الإعاشة لمئات المسؤولين المقيمين في الخارج– بلغ 1200 مليار ريال، متجاوزًا حتى بندي الرواتب والخدمات الأساسية مجتمعة (1130 مليار ريال فقط).
القفز فوق جذور الأزمة
الحكومة تبرر عجزها بتوقف صادرات النفط منذ عامين ونصف جراء هجمات الحوثيين، لكن الواقع -وفق أرقام البنك المركزي- يشير إلى أن الإيرادات المتاحة كافية لتغطية الرواتب والخدمات، ما يجعل "توقف النفط" مجرد غطاء للتهرب من معالجة أصل الأزمة: سوء الإدارة، الهدر، وغياب رؤية مالية واضحة.
الهروب من عدن إلى الرياض
الربط الصريح بين عودة بن بريك إلى عدن ونجاحه في الحصول على دعم خارجي، يطرح سؤالًا جوهريًا: هل أصبحت العاصمة المؤقتة مجرد محطة لتلقي الدعم وتوزيعه دون خطط للإصلاح أو تطوير؟ وهل باتت الإقامة في الرياض استراتيجية بحد ذاتها لتجنب مواجهة الغضب الشعبي والانهيار الإداري؟
بن بريك لم يعد فقط مطالبًا بتأمين الدعم الخارجي، بل أولًا باستعادة ثقة الداخل والخارج معًا، عبر خطوات ملموسة في ضبط الإنفاق، وقف الفساد، وإعادة ترتيب الأولويات، فما لم تتغيّر منهجية الحكومة، فإن العواصم الصديقة لن تكون أكثر حماسًا من المواطنين في عدن لدعم مشروع حكومي "غارق في العبث"، بحسب توصيف التقارير المحلية.