آخر تحديث :الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - 09:45 ص

انحراف الضربة وحق الجنوب على أرضه

الثلاثاء - 30 ديسمبر 2025 - الساعة 08:08 ص

جسار مكاوي
الكاتب: جسار مكاوي - ارشيف الكاتب


لقد أثبت المجلس الانتقالي الجنوبي و معه القوات الحكومية الجنوبية شراكة حقيقية و فاعلة على الأرض مع دول التحالف العربي شراكة لم تكن يومًا شعارات أو بيانات مجاملة بل التزامًا ميدانيًا صلبًا لم يشهد خذلانًا أو تراجعًا و قد دفع الجنوب في مقابل هذه الشراكة أثمانًا باهظة من دماء أبنائه و استقرار مناطقه تنفيذًا للتعهدات و العهود و في سياق معركة كبرى كان عنوانها المعلن تحرير صنعاء من قبضة جماعة الحوثي و استعادة الدولة غير أن مسار هذه المعركة انحرف بصورة خطيرة لا بفعل الجنوب ولا قواه الحية و في مقدمة ذلك شعب الجنوب العربي الحر الأبي الذي ملأ الساحات و أكد على حق الجنوب بأرضه بل بفعل المنظومة التي تهيمن اليوم على مجلس القيادة الرئاسي فقد كشفت الوقائع و معها ما سُمّي بـ(مجلس الدفاع) الذي يقوده رشاد العليمي و زمرته عن تحول متعمد في بوصلة الصراع (من مواجهة المشروع الحوثي إلى إعلان حرب سياسية و أمنية على الجنوب أرضًا و شعبًا) من الدفاع إلى الحرب على الجنوب إن ما يُطرح بوصفه (مجلس دفاع) لا يؤدي وظيفة الدفاع الوطني بقدر ما يُدار كـمجلس حرب موجه ضد الجنوب هدفه الواضح هو استعادة منظومة نفوذ فقدت سيطرتها و إعادة فتح أبواب النهب المنظم لمقدرات شعب الجنوب و على وجه الخصوص حضرموت العز و الخير تلك المحافظة التي ظلت هدفًا لمصالح متشابكة و شبكات تخادم باتت أوراقها اليوم مكشوفة أكثر من أي وقت مضى.
في هذا السياق جاءت الضربة الجوية و التحذيرات الموجهة للمدنيين لتؤكد الانحراف لا لتبرره فاستهداف محيط ميناء المكلا—و هو مرفق مدني سيادي و شريان اقتصادي وإنساني لحضرموت—لا يمكن فصله عن دلالته السياسية فالقانون الدولي الإنساني لا يجيز استهداف المنشآت المدنية على أساس اشتباه ولا يمنح الغطاء لإجراءات تُبنى على ادعاءات أحادية لم تُسند بأدلة علنية أو تحقيقات مستقلة ولا تُحال إلى آليات أممية مختصة.
إن وصف العملية بالمحدودة لا يُسقط مبدأ التناسب و الضرورة العسكرية ولا يرفع المسؤولية عن تعريض المدنيين للخطر و تعطيل سلاسل الإمداد والأمن الاقتصادي فحماية المدنيين لا تتحقق بالقصف ولا بإخلاء الموانئ بل بالتحقيق الشفاف و تحييد المرافق المدنية عن أي تجاذب.
إعادة استدعاء قرار مجلس الأمن رقم (2216) لعام 2015 خارج سياقه الزمني و الموضوعي و تحويله إلى أداة انتقائية لتبرير الضغط على الجنوب تمثل قراءة منحرفة للشرعية الدولية فالقرار صدر في ظرف مختلف و استهدف أطرافًا محددة ولا يمكن تحويله إلى صك مفتوح لتجريم الجنوب أو كبح إرادته السياسية أو إعادة رسم المشهد بالقوة تسييس القرارات الأممية يُفقدها حيادها و يقوض الثقة بها .
إن المجرم الحقيقي في تعطيل معركة صنعاء وحرف بوصلة (التحرير)ليس الجنوب ولا قواته بل تلك المنظومة التي حوّلت الشرعية من إطار مؤقت لإدارة الصراع إلى أداة تصفية حسابات منظومة سخّرت الغطاء السياسي والعسكري لمحاولة إخضاع الجنوب و كسر إرادته بعدما عجزت عن فرض نفوذها عليه سياسيًا أو شعبيًا لقد بات التماهي بين بيانات هذه المنظومة و إجراءات التصعيد—بما فيها الضربات و التحذيرات—مؤشرًا واضحًا على تخادم المصالح و على أن الانحراف لم يعد خفيًا بل صار فعلًا معلنًا يدفع ثمنه المدنيون . حق الجنوب على أرضه… مبدأ و حق أصيل—سياسي و قانوني و تاريخي—في أرضه و موانئه و ثرواته هذا الحق لا يسقط بالبيانات ولا يُلغى بالضربات الجوية ولا يمكن مصادرته بذريعة (الاستقرار) فالتجارب أثبتت أن القوة لا تصنع شرعية و أن أي أمن يُبنى على استهداف المرافق المدنية هو أمن هش ومؤقت .
إن أي انحراف في استخدام القوة و أي مساس مباشر أو غير مباشر بالمنشآت المدنية يحمّل الجهة المنفذة مسؤولية قانونية و سياسية كاملة عن الأضرار و النتائج بما في ذلك تعريض المدنيين للخطر و تعطيل المصالح العامة و تقويض فرص السلام هذه المسؤولية لا تُمحى بتوصيفات لغوية ولا بادعاءات امتثال غير مُثبتة.
ما جرى ليس ((ضربة)) فحسب بل انحراف خطير في المسار و رسالة سياسية خاطئة التوقيت و المضمون الجنوب لا يطلب حماية تُقصف موانئه باسمها ولا استقرارًا يُفرض بتهديد حياة أبنائه .. الطريق الوحيد للأمن الحقيقي يمر عبر احترام الحقوق و تحكيم القانون و الاعتراف بأن حق الجنوب على أرضه قضية عادلة لا تُعالج بالقوة ولا تُحسم من الجو.




شاهد أيضًا

الرئيس الزُبيدي يشدد على تحديث الاتصالات ويضع تطوير القطاع ف ...

الإثنين/29/ديسمبر/2025 - 05:54 م

في إطار تفقده للجاهزية المؤسسية للوزارات والمؤسسة الخدمية قام الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القياد


استشهاد جنديين من القوات الجنوبية في هجوم إرهابي بمنطقة الخش ...

الإثنين/29/ديسمبر/2025 - 02:41 م

استُشهد جنديان من القوات الحكومية الجنوبية في منطقة الخشعة بمحافظة حضرموت، إثر هجوم إرهابي نفذته عناصر مسلحة قادمة من محافظة مأرب اليمنية. وأفادت مصاد


بين الحقيقة والضجيج.. أمن عدن يُسقط رواية اختطاف فتاة ويضع ا ...

الإثنين/29/ديسمبر/2025 - 02:31 م

أصدرت إدارة أمن العاصمة عدن توضيحًا رسميًا بشأن ما تم تداوله في بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول قضية الفتاة أبرار رضوان، نافيةً جملة من الادعاءات والم


الشؤون القانونية وحقوق الإنسان.. تقارير مضللة بلا شكاوى رسمي ...

الإثنين/29/ديسمبر/2025 - 01:53 م

أعربت وزارة الشؤون القانونية وحقوق الإنسان عن قلقها البالغ إزاء ما وصفته بحملة تضليل ممنهجة تقودها منظمات وشبكات، عبر نشر بيانات وتقارير «ملفقة ومضللة