يشهد ملف التصديقات الجامعية في اليمن جدلاً واسعاً خلال الأسابيع الأخيرة، بعد تفاقم شكاوى الطلبة والخريجين من الارتفاع المفاجئ وغير المعلن لرسوم تصديق الوثائق في وزارة التعليم العالي، وسط اتهامات بوجود مبالغ تُحصّل خارج الإطار الرسمي، ما يحوّل الخدمة إلى عبء مالي يثقل كاهل آلاف الشباب.
وخلال متابعة أجرتها العين الثالثة، تبيّن أن الرسوم المفروضة على الوثائق تضاعفت مقارنة بالعامين الماضيين، دون صدور أي تعميم رسمي يوضح أسباب الزيادة أو يحدد آليات التحصيل.
وتشمل الرسوم المعلنة 10 آلاف ريال لتصديق الشهادات الصادرة من الجامعات الحكومية، و15 ألف ريال للجامعات الأهلية، إضافة إلى رسوم مماثلة على شهادات الامتياز والترجمة والسجل الأكاديمي.
فروقات مالية تكشف شبكة تحصيل موازية
رغم أن هذه الأرقام تمثل في ظاهرها التزاماً مالياً كبيراً على الطلبة، إلا أن الوثائق التي حصلت عليها "العين الثالثة" كشفت عن فروق مالية غير مبررة، حيث تشير المستندات إلى أن المبالغ الموردة رسمياً لوزارة المالية لا تتجاوز نصف ما يُحصّل فعلياً من الطلاب.
وتتراوح الفروق بين 5 و7.5 آلاف ريال عن كل شهادة، و4 إلى 5 آلاف ريال عن بقية الوثائق، ما يدفع نحو تكهنات بوجود شبكات نافذة تتولى إدارة مبالغ موازية خارج الأنظمة المالية الحكومية.
مصادر: إدارة موازية للرسوم
أكد مصدر مسؤول في الوزارة –فضّل عدم الكشف عن هويته– أن جزءاً كبيراً من الرسوم يُدار عبر حسابات خارجية لا تخضع للرقابة المباشرة، مشيراً إلى أن الجهات العليا في الحكومة على علم بكامل التفاصيل.
وحذّر المصدر من أن هذه الممارسات تتجاوز العبء الاقتصادي إلى تقويض ثقة المجتمع بمؤسسات الدولة، وفتح أبواب نفوذ غير رسمي قد يُستخدم لتمويل أنشطة لا تخضع للإشراف الحكومي.
شكاوى من قيود تعسفية وتعقيدات إضافية
إلى جانب ذلك، شكا مواطنون ومندوبون مكلفون بمتابعة معاملات أبنائهم من قيود تعسفية تفرضها الوزارة على من يتولى التصديق نيابة عن الطالب، خصوصاً للطلاب المتواجدين في محافظات بعيدة أو خارج البلاد، وتؤدي هذه الإجراءات إلى تعطيل المعاملات وزيادة التكاليف المرتبطة بالسفر والتنقل والإقامة.
غياب أنظمة الدفع الإلكتروني يفتح الباب للفساد
وتشير متابعة العين الثالثة إلى أن تفاقم الأزمة يرتبط بغياب آليات الدفع الإلكتروني الموحد وعدم وجود رقابة صارمة على عمليات التحصيل، الأمر الذي يسهّل ظهور قنوات مالية موازية ويعمّق الفجوة بين المواطن والجهة الحكومية المخوّلة بخدمته.
دعوات متصاعدة للإصلاح المالي والإداري
ويرى مهتمون بالشأن الأكاديمي أن الإصلاح أصبح ضرورة ملحّة، مطالبين بـ:
-
إعادة تقييم الرسوم بما يتناسب مع الوضع الاقتصادي.
-
تفعيل نظام دفع إلكتروني مركزي يحدّ من أي تحصيل خارج المسار الرسمي.
-
تشديد الرقابة على عمليات التحصيل والتحويل.
-
تحديث الخدمات الرقمية لتسهيل إنجاز المعاملات دون السفر أو الاعتماد على وسطاء.
أزمة تتجاوز الرسوم إلى شرعية المؤسسة التعليمية
يطرح هذا الملف –بحسب ما رصدته العين الثالثة– تساؤلات جوهرية حول مستوى الحوكمة داخل إحدى أهم الوزارات الخدمية، ومدى قدرة مؤسسات الدولة على حماية الطلبة من الأعباء المالية غير القانونية، وضمان بيئة تعليمية عادلة وشفافة تُعزز ثقة المجتمع بدلاً من أن تضعفها.