تستعد الأسواق اليمنية لدخول مرحلة جديدة من التحولات السعرية، مع بدء سريان قرار تحرير سعر الدولار الجمركي، في خطوة تُعدّ من أجرأ إجراءات الإصلاح المالي التي أقدمت عليها الحكومة منذ سنوات، وسط ترقّب حذر من الشارع وقلق متزايد لدى التجار والمستوردين.
ورغم أن القرار جاء ضمن خطة إصلاحات اقتصادية شاملة أقرّها مجلس القيادة الرئاسي، فإن الحكومة تجنبت الظهور كصاحبة القرار، مكتفية بدور المقترِح، في محاولة واضحة لتفادي الغضب الشعبي المتوقع مع موجة ارتفاع أسعار قادمة.
بين الإصلاح والارتباك
يرى مراقبون أن القرار يعكس محاولة الحكومة إنقاذ المالية العامة بعد تدهور الإيرادات وعجزها عن سداد المرتبات خلال الأشهر الأخيرة، لكن في المقابل، يحذّر اقتصاديون من أن تحرير الدولار الجمركي دون تنفيذ باقي بنود الإصلاح سيؤدي إلى ارتفاع كلفة المعيشة وفقدان السيطرة على الأسواق.
ويقول الخبير الاقتصادي مصطفى نصر، رئيس مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي، إن القرار يستهدف بالدرجة الأولى معالجة أزمة الحكومة وليس الاقتصاد الوطني ككل، موضحًا أن تطبيقه دون إغلاق المنافذ غير الرسمية سيزيد نشاط التهريب التجاري ويُفشل الإصلاح من أساسه.
احتمالات الموجة السعرية
تشير تقديرات أولية إلى أن الأسعار قد تشهد ارتفاعًا تدريجيًا خلال الأسابيع المقبلة، خصوصًا في السلع المستوردة، وسط تباين في التوقعات حول مدى الزيادة. فبينما يرى بعض الخبراء أن الارتفاع سيكون "محدودًا ومؤقتًا"، يخشى آخرون أن يستغل التجار والمستوردون حالة الارتباك في السوق لرفع الأسعار بنسب كبيرة تفوق الفارق الجمركي الفعلي.
وفي عدن، وجّه محافظ المحافظة أحمد لملس السلطات المحلية بتكثيف الرقابة الميدانية وضبط الأسعار، محذرًا من ممارسات الاحتكار والمضاربة بالسلع الأساسية.
القطاع الخاص في دائرة القلق
تكمن المخاوف الأبرز في ضعف الثقة بين الحكومة والقطاع التجاري، وهو ما قد يعرقل تنفيذ القرارات الجديدة. ويؤكد اقتصاديون أن غياب التنسيق بين الطرفين يجعل من أي إصلاح مالي مجرد نص على الورق، إذ يحتاج نجاح القرار إلى تعاون التجار في توريد عائدات تجارتهم إلى الجهاز المصرفي الرسمي بدلاً من قنوات الصرافة الموازية.
ويحذر الأكاديمي وليد العطاس، أستاذ العلوم المالية بجامعة حضرموت، من أن القرار قد يضاعف معاناة المواطنين في ظل جمود الأجور وغياب الرقابة الحكومية، مؤكدًا أن أي زيادة في الأسعار ستكون قاسية على شريحة الموظفين ومتوسطي الدخل.
بين الإصلاح المالي والعدالة الاجتماعية
يؤكد خبراء أن قرار تحرير الدولار الجمركي يمثل اختبارًا سياسيًا واقتصاديًا لقدرة الحكومة على تحقيق توازن بين تحصيل الإيرادات وضبط الأسعار، معتبرين أنه لن ينجح إلا إذا ترافق مع إصلاح مؤسسي شامل وإرادة سياسية حقيقية لاستعادة السيطرة على الموارد العامة.
وفي ظل تزايد الغضب الشعبي من ارتفاع تكاليف المعيشة، تترقب الأسواق ما إذا كانت الحكومة ستتمكن من تحويل القرار إلى خطوة إصلاحية فعلية أم أنه سيفتح الباب أمام موجة تضخم جديدة تُضعف الثقة بالعملة الوطنية وتعمّق الأزمة الاقتصادية القائمة.
