لم تمر قرارات وزارة الخارجية الأخيرة مرور الكرام، فقد فجّرت موجة غضب واسعة في الشارع الجنوبي، وأعادت طرح السؤال المؤجل: من يمثل اليمن في الخارج؟ وهل ما زال الجنوب، الذي قدّم تضحيات جسيمة وحرر أرضه بدماء أبنائه، حاضرًا في هذه المعادلة المختلة؟
الأرقام صادمة، إذ تكشف أن ما يقارب 95% من التعيينات الجديدة ذهبت إلى أبناء الشمال، بعضهم لم يغادر مناطق الحوثيين إلا قبل أشهر، بترتيبات مباشرة من نائب الوزير.
وبينما كان يفترض أن تكون هذه المرحلة فرصة لإنصاف الجنوب، جاءت القرارات لتمنح خصومه السياسيين موطئ قدم جديدًا، لكن هذه المرة في العواصم العالمية.
الوزير.. حضور إعلامي وغياب عدالة
وزير الخارجية نفسه لم يظهر سوى في "الزفة الإعلامية"، يتحدث باسم دولة لا وجود لها إلا في مخيلة الواهمين، فيما يغيب عن أبسط متطلبات العدالة في التوزيع، والأخطر أن هذه التعيينات لا تعكس فقط انحيازًا مناطقيًا، بل تفتح الباب أمام تمثيل غير مباشر لمشروع الحوثي في الخارج، تمامًا كما كان يفعل بعض الدبلوماسيين السابقين الذين تحدثوا بلسان الانقلاب من داخل مؤسسات الشرعية.
منطق مغلوط وشراكة مشوهة
أبناء الجنوب يؤكدون أن المناصب في هذه المرحلة يجب أن تكون حصرًا للجنوبيين، ليس من باب الإقصاء، بل من باب العدل والمنطق: فمن حرر الأرض وضحى، هو الأجدر بالتمثيل.
أما الشماليون، فأهلهم ما زالوا تحت سلطة الحوثي، وبالتالي يبقون "ضيوفًا مكرّمين" حتى تُستعاد مناطقهم، لكن المشكلة لم تعد في الشماليين وحدهم، بل أيضًا في بعض القيادات الجنوبية التي رضيت بالفتات؛ منصب هنا أو سفريّة هناك، مقابل السكوت عن تغييب أبناء الجنوب. هؤلاء شركاء في الجريمة بالصمت أو بالمقايضة.
قائمة التعيينات.. المحاصصة في أوضح صورها
لم يعد الأمر مجرّد اتهام أو تحليل، فقد نشرت وزارة الخارجية بنفسها قائمة الأسماء، وجاءت كالتالي:
• سامي الباشا – بروكسل
• عبدالله البشاري – لندن
• زيد السروري – لندن
• تيماء عبدالعزيز – أبوظبي
• عبدالخالق المغربي – عمّان (الأردن)
• عادل السيخ – لاهاي
• رغدة الحكيمي – فيينا
• ملكة الإرياني – فيينا
• ابتسام جار الله – فيينا
• عزيز الثمثمي – الجامعة العربية
• وائل الشهاري – كندا
• أحمد شرعبي – نيويورك
• أشرق دحان – الجامعة العربية
• مجاهد الضالعي – القاهرة
• خالد مختار – الكويت
• ابتسام محمد سعيد – الكويت
• علي قيزل – مسقط
• أحمد الدوح – قطر
• عبدالرزاق المرشحين – نواكشوط
• محمد البواب – باريس
• عبدالملك دحان – جدة
• وليد الإرياني – واشنطن
• عبدالقادر سعيد – برلين
• سهير الأصبحي – نيويورك
• محمود الأشعري – طوكيو
• عثمان اليافعي – بودابست
• عبدالله شجاع – صوفيا
• حاتم محمد حاتم – صوفيا
• رمزي المجاهد – الجزائر
• عبدالله سالم – العراق
• عمر الصوفي – جنوب أفريقيا
هذه القائمة، التي تمثل الوجه الدبلوماسي لليمن في الخارج، تكشف أن الجنوب ظل غائبًا أو ممثلًا على استحياء، مقابل حضور طاغٍ للشماليين من صنعاء وإب وذمار وتعز.
الصورة من زاوية أعمق
حين ننظر بالعين الثالثة، لا نرى مجرد قرارات إدارية، نحن أمام عملية منهجية لإعادة تدوير النخب الشمالية في جسد دولة لم تعد قائمة إلا شكليًا، فالجنوب الذي حرر أرضه بدمائه يُستبعد من التمثيل الخارجي، بينما يمنح الشماليون، كثير منهم منحدرون من مناطق الحوثي، مناصب مرموقة في العواصم العالمية.
الأمر هنا يتجاوز مجرد محاصصة، ليتحول إلى اختطاف ممنهج لصوت الجنوب في الخارج، وإضعاف قدرته على التأثير في المواقف الدولية. إنها محاولة لطمس حقيقة أن الجنوب اليوم هو الكيان الوحيد الذي يملك أرضًا محررة وسلطة شرعية على الأرض.
ما القادم؟ ثورة شعبية أم إعادة تصحيح؟
المعادلة بهذا الشكل غير مستقيمة، وإذا لم تُصحّح عاجلًا، فإن القادم قد يكون ثورة شعبية تعيد التذكير بأن الجنوب لا يُدار بالترضيات ولا يُباع بثمن بخس.. الجنوبيون صبروا كثيرًا، لكن الصبر لا يعني القبول بالتهميش، ولا السكوت على تزوير الحقائق وتوزيع المناصب وفق الولاء لا وفق التضحية والاستحقاق.
التعيينات الأخيرة ليست مجرد أسماء، بل مرآة تعكس أزمة عميقة في مفهوم الدولة والشراكة، وإذا استمر الوضع على هذا النحو، فإن المجلس الرئاسي ووزارة الخارجية معًا سيدفعان البلاد إلى مزيد من الانقسام، بينما سيفرض الجنوب إرادته في النهاية، بصوته في الداخل والخارج، مهما حاول الآخرون طمسه.