تتجه أنظار الداخل اليمني والعواصم الإقليمية والدولية إلى نيويورك، حيث يشارك الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، في أعمال الدورة الـ(80) للجمعية العامة للأمم المتحدة، مشاركة ليست كسابقاتها، ولا يمكن اختزالها في إطار بروتوكولي، بل هي مؤشر على انتقال الجنوب من خانة "المغيب" إلى موقع "الفاعل" في صياغة مستقبل المنطقة.
ما وراء الصورة الدبلوماسية
في عرف السياسة، الخطابات الملقاة من على منصات الأمم المتحدة غالبًا ما تكون صورية، لكن القيمة الحقيقية تكمن في الحوارات الجانبية وغرف الاجتماعات المغلقة، من هنا، يظهر البُعد الحقيقي لمشاركة الرئيس الزُبيدي؛ فالرجل لا يذهب لالتقاط الصور أو الاكتفاء بخطاب، بل ليضع قضية الجنوب مباشرة أمام صُنّاع القرار العالمي.
تقرأ "العين الثالثة" هذا التحرك باعتباره جزءًا من استراتيجية أوسع، تهدف إلى تثبيت الحضور الجنوبي كرقم لا يمكن تجاوزه، ليس في المشهد اليمني فحسب، بل في معادلة الأمن الإقليمي بأسره.
البعد الإقليمي: الجنوب في قلب معادلة البحر الأحمر
من موقعه الجغرافي، يشكّل الجنوب خط الدفاع الأول عن الممرات البحرية الحيوية في خليج عدن وباب المندب، فالتحديات الأمنية في هذه المنطقة ليست شأنًا محليًا، بل قضية عالمية تمس حركة التجارة الدولية، ومن هنا، فإن الحضور الجنوبي على الطاولة الأممية يتجاوز كونه مطلبًا سياسيًا داخليًا، ليصبح ضرورة لحماية الاستقرار الإقليمي والعالمي.
الموقف الأمريكي: شراكة تتشكل ببطء
واشنطن، التي تدير خيوط السياسة الدولية، تنظر بعين الاهتمام إلى الجنوب، خصوصًا في ملفات مكافحة الإرهاب وضمان أمن الممرات البحرية.، وتمثل زيارة الزُبيدي فرصة لتعزيز هذه النظرة، وربما فتح صفحة جديدة من التعاون الأمني والاقتصادي.
وترى "العين الثالثة" أن الموقف الأمريكي لا يزال محكومًا بمعادلات أكبر تشمل الصراع مع إيران والملف الحوثي، ما يجعل بناء الشراكة مع الجنوب عملية تراكمية تحتاج إلى صبر ودبلوماسية نشطة.
أوروبا والجنوب: مصالح وملفات إنسانية
في المقابل، تبدو العواصم الأوروبية أكثر انفتاحًا على الجنوب، ليس فقط بدافع أمني، بل نتيجة القلق من تفاقم الأزمة الإنسانية التي تهدد الاستقرار في اليمن، الحضور الجنوبي في الأمم المتحدة يمنح هذه الدول شريكًا جديدًا يمكن التعويل عليه في مجالات الإغاثة والتنمية وإدارة الموانئ.
الجنوب يرفع صوته في لحظة فارقة
بعد سنوات من محاولات التهميش، يصل صوت الجنوب اليوم إلى قاعة الأمم المتحدة بشكل مباشر. لم يعد الحديث عن القضية الجنوبية محصورًا في بيانات محلية أو لقاءات إقليمية، بل بات جزءًا من النقاش العالمي حول مستقبل اليمن، وكلمة الرئيس الزُبيدي المنتظرة ليست مجرد خطاب، بل هي تعبير عن إرادة شعب ضحى كثيرًا من أجل حريته وكرامته.
استدعاء التاريخ في لحظة الحاضر
تزامن الزيارة مع ذكرى ثورة 14 أكتوبر المجيدة ويوم الاستقلال في 30 نوفمبر يمنحها بعدًا رمزيًا عميقًا، إنها لحظة يستعيد فيها الجنوبيون تضحيات الأجداد ليبنوا حاضرهم السياسي، ويؤكدوا أن مسارهم اليوم هو امتداد لمسار طويل من النضال.
الجنوب لم يعد صامتًا
من نيويورك، يعلن الجنوب أنه لم يعد تابعًا أو مغيبًا، بل شريكًا أصيلًا في صناعة القرار الدولي، وما قبل الانتقالي ليس كما بعده، وما قبل مشاركة الزُبيدي في الأمم المتحدة ليس كما بعدها.
إنها لحظة مفصلية تنقل الجنوب من الهامش إلى صدارة المشهد الدولي، وتؤكد أن القضية الجنوبية باتت عنصرًا مركزيًا في أي رؤية للحل السياسي في اليمن وفي مستقبل أمن المنطقة.