في سابقة غير مألوفة، يجد المواطن في عدن نفسه عاجزاً عن تصريف مدخراته من العملات الأجنبية إلى الريال اليمني الجديد (القعيطي)، بسبب أزمة سيولة خانقة ضربت السوق المصرفية.
وبينما تتجه أصابع الاتهام نحو المضاربين وشركات الصرافة، تبرز البنوك التجارية وبنوك الصرافة كأحد أهم الفاعلين الخفيين في صناعة هذه الأزمة.
العين الثالثة تفتح ملف البنوك، وتكشف كيف تحوّلت من مؤسسات يُفترض أن تضخ السيولة وتحفّز النشاط الاقتصادي، إلى مخازن نقد محجوزة تضاعف معاناة الناس.
البنوك تمارس "التحويط" بدل الإقراض
بحسب خبراء تحدثوا لـ العين الثالثة، فإن عدداً من البنوك التجارية وبنوك الصرافة امتنعت عمداً عن ضخ السيولة المحلية في السوق، مفضلةً الاحتفاظ بكميات كبيرة من الريال اليمني "القعيطي" داخل خزائنها، الهدف، كما يوضح الخبير الاقتصادي الدكتور عارف محمد السقاف، هو التحوط ضد تقلبات سعر الصرف، بحيث تراهن البنوك على هبوط محتمل في العملات الأجنبية لتعيد بيع الريال بأسعار أعلى لاحقاً، محققة أرباحاً استثنائية على حساب اضطراب السوق.
"مضاربة ناعمة".. البنوك كطرف خفي
ليست البنوك بمنأى عن لعبة المضاربات، بل تشارك فيها بشكل "ناعم" وغير معلن.. مصادر مصرفية أكدت لـ العين الثالثة أن بعض البنوك تساهم بشكل غير مباشر في عمليات المضاربة عبر شركات صرافة مرتبطة بها أو مملوكة لمساهميها، بحيث يتم التحكم في الكتلة النقدية وتوجيه السوق بما يخدم مصالح ضيقة، وجعلت هذه الممارسات البنوك تتحول من مؤسسات وطنية يُفترض بها دعم الاستقرار النقدي إلى أدوات ضغط اقتصادي.
غياب الرقابة المركزية
أحد أبرز أسباب تفاقم الوضع هو ضعف الرقابة المصرفية من البنك المركزي بعدن، فالبنك لم يتمكن حتى الآن من فرض آليات صارمة تلزم البنوك التجارية بضخ السيولة بشكل منتظم أو المشاركة في استقرار السوق، وبدلاً من أن تكون البنوك شريكاً في الحل، باتت جزءاً من المشكلة، خصوصاً مع استمرار غياب السياسة النقدية الواضحة.
الأموال تتسرب خارج عدن
مفاجأة أخرى كشفها أحد موظفي بنك تجاري بارز لـ العين الثالثة: جزء من النقد المحلي الذي تحتجزه البنوك يتم نقله سراً إلى محافظات أخرى، خصوصاً تلك الخاضعة لسلطة صنعاء، لتمويل التجارة الداخلية أو شراء عملات أجنبية بأسعار أفضل، هذا التسرب يخلق فجوة نقدية في عدن، تزيد من الضغط على السوق والمواطنين.
المواطن الحلقة الأضعف
النتيجة المباشرة لهذه الممارسات هي إضعاف القدرة الشرائية للمواطن، فالمرتبات المتأخرة وانخفاض الإنفاق الرسمي يترافقان مع احتجاز السيولة في البنوك، ما يترك الناس عاجزين عن الحصول على النقد اللازم لتلبية احتياجاتهم، وبدلاً من أن تكون البنوك بوابةً للتنمية، تحولت إلى مراكز احتكار للنقد، تزيد من شعور المواطن بالخذلان.
أصوات تطالب بالمحاسبة
عدد من الناشطين الاقتصاديين دعوا عبر العين الثالثة إلى إعادة النظر بدور البنوك، ومساءلة إداراتها التي تتلاعب بالسوق بشكل غير مباشر، كما طالبوا بإنشاء لجنة رقابة مصرفية مستقلة تتابع التزامات البنوك وتفرض عليها ضخ جزء من سيولتها بشكل دوري.
هل تعود البنوك لدورها الحقيقي؟
أزمة السيولة الحالية كشفت أن البنوك في عدن لم تعد مجرد مؤسسات مالية محايدة، بل صارت جزءاً من لعبة معقدة تحركها مصالح وحسابات ربحية، وفي ظل غياب إصلاحات جذرية ورقابة صارمة، سيبقى المواطن يدفع ثمن احتجاز أمواله في خزائن مغلقة لا يرى منها سوى انعكاس أزمة تتفاقم كل يوم.