احتدمت المعارك الطاحنة التي اندلعت على مدى الأيام الماضية بين الجيش السوداني و �قوات الدعم السريع�، وتتركز حالياً في الأجزاء الغربية من إقليم كردفان الذي تحده كل من ولايات الخرطوم والنيل الأبيض. ودارفور. وأكدت مصادر محلية أن الطرفين حشدا قوات كبيرة من المقاتلين والعتاد من أجل تحقيق نصر ميداني في هذا الإقليم المهم.
ولإقليم كردفان أهمية استراتيجية كبيرة إذ إنه يربط بين غرب السودان ووسطه وشماله، بالإضافة إلى أنه إقليم غني بموارده الطبيعية؛ حيث توجد معظم حقول النفط فيه، وينتج أيضاً الجزء الأكبر من الصمغ العربي على مستوى العالم، إضافة إلى ثروة حيوانية كبيرة وأراض زراعية بمساحات شاسعة.
وتعد المعارك الجارية حول بلدة أم صميمة القريبة من مدينة الأبيض، أكبر مدن الإقليم بالنسبة للجيش، خطوة مهمة لفتح الطرق أمام تحركاته باتجاه اقليم دارفور الذي تسيطر عليه بالكامل قوات الدعم السريع باستثناء مدينة الفاشر التي تحاصرها الدعم السريع منذ أكثر من عام، بينما يسعى الجيش إلى فك هذا الحصار.
من جانبها تعتبر قوات الدعم السريع إقليم کردفان ضمن خطوط دفاعها عن إقليم دارفور، فضلاً عن كونه يوسع مناطق نفوذها في البلاد.
تقاسم الإقليم
وظل الطرفان المتحاربان يتبادلان السيطرة على بلدتي أبو قعود وأم صميمة، اللتين تبعدان عن مدينة الأبيض بنحو 40 كيلومتراً، وينشر كل من الطرفين مقاطع فيديو تبين تفوقه في المعارك، والحاق خسائر بخصمه، ولكن تقارير المراقبين تشير إلى أن الطرفين خسرا أعداداً كبيرة من القتلى والجرحى، بالإضافة إلى معدات عسكرية تم تدميرها.
وإذا سيطرت قوات الدعم السريع على إقليم كردفان، بما في ذلك مدينة الأبيض. فستكون قد استولت على منطقة جغرافية كبيرة جداً من البلاد، تضم إقليمي دارفور و کردفان، وكذلك قد تتيح هذه السيطرة لـ �الدعم السريع التقدم تجاه العاصمة الخرطوم، واستعادة المناطق التي كانت تسيطر عليها منذ بداية الحرب في منتصف أبريل (نيسان) 2023.
وتسيطر الدعم السريع حالياً على 5 محليات في ولاية شمال كردفان، بينما يسيطر الجيش على ثلاث بينما تدور المعارك على الحدود مع ولاية غرب كردفان التي تسيطر عليها �قوات الدعم السريع�. باستثناء مدينة بابنوسة.
وفي ولاية جنوب كردفان تسيطر الدعم السريع على الأجزاء الشمالية منها، وكذلك تسيطر الحركة الشعبية الحليفة لـ �الدعم السريع، على منطقة كاودا الجبلية في الولاية. وفي المقابل يسيطر الجيش على معظم الولاية، بما في ذلك حاضرتها مدينة كادوقلي.
وقال اللواء المتقاعد أمين إسماعيل لـ �الشرق الأوسط�، إن المعارك المشتعلة في كردفان تهدف في الأساس إلى تأمين السيطرة على الإقليم نفسه، بوصفه منطقة حيوية اقتصادياً، وأيضاً كون الإقليم الأكثر قرباً لدارفور. لذلك يسعى الجيش إلى حرمان قوات الدعم السريع من السيطرة على الإقليم الذي يقربها من العاصمة الخرطوم، عبر الطريق البري الرابط بين مدينتي الأبيض وأم درمان طريق الصادرات أو الطريق الذي يربط الأبيض بمدينة کوستي في ولاية النيل الأبيض، والمحاور الأخرى.
وأوضح إسماعيل أن إقليم كردفان يعتبر قاعدة للانطلاق نحو مدينة الفاشر ومناطق أخرى في إقليم دارفور، أي أن من يؤمن السيطرة على كردفان يستطيع الوصول إلى الطريق الاستراتيجي الذي يربط بين عدد من المدن المهمة، وهي الأبيض والنهود وأم كدادة والفاشر�. وأضاف أنه من مدينة النهود يمكن الانطلاق إلى مدينتي نيالا والجنينة في دارفور، لذلك فإن هذه المعارك لها أهداف عسكرية واقتصادية واجتماعية.
تعزيز أوراق التفاوض
سياسياً، يرى أستاذ العلوم السياسية في جامعة أم درمان الإسلامية، صلاح الدين الدومة، في المعارك المتلاحقة التي تدور في كردفان، استباقاً لقرارات سياسية مرتقبة. وقال لـ �الشرق الأوسط�: �إن أي تحرك دبلوماسي، وأي جلوس إلى طاولة مفاوضات، لا بد من أن يستندا إلى موقف عسكري لتقوية سند المفاوض على الطاولة. لذلك يسعى الطرفان المتحاربان إلى تحقيق نتائج عسكرية لرفع سقف التفاوض.
من جهة أخرى، قال مصدر عسكري لـ �الشرق الأوسط�، طلب عدم ذكر اسمه، إن �قائد الجيش عبد الفتاح البرهان حدد شروطه لوقف الحرب، وأكد أن المعارك ستستمر حتى القضاء على الميليشيات قوات الدعم السريع)؛ خصوصاً بعد ما سفاه انتصارات الجيش الأخيرة في منطقة أبو قعود�.
ويرى بعض المراقبين أن اشتداد المعارك الأخيرة، هو جزء من عمليات استباقية التحسين الوضع التفاوضي للطرفين في مفاوضات مرتقبة برعاية أميركية وإقليمية وفق مصادر محلية. ورددت تلك المصادر أن هناك مساعي تقوم بها الإدارة الأميركية لوقف الحرب في السودان وإيجاد حل سياسي للأزمة، خصوصاً بعد اللقاء الذي تم مؤخراً في سويسرا، بين قائد الجيش عبد الفتاح البرهان ومستشار الرئيس الأميركي للشؤون الأفريقية مسعد بولس..