آخر تحديث :الجمعة - 05 ديسمبر 2025 - 02:50 ص

من التنوين اللغوي إلى السياسي

الخميس - 17 أبريل 2025 - الساعة 07:37 ص

جسار مكاوي
الكاتب: جسار مكاوي - ارشيف الكاتب




إن الكلمات ليست بريئة.. إنما تحمل في طياتها مواقف، وتُفصح أحياناً عن نوايا، وتُخفي في أحيان أخرى موقفًا يتوارى خلف نحويةٍ خجولة. في عالم السياسة لا تُقال الكلمات عبثاً. كل لفظٍ محسوب، وكل حركة لغوية قد تُترجم موقفاً، وكل تنوين قد يجرّ خلفه تأويلاً سياسياً يسبق الفعل، ويتفوّق أحياناً على التصريح الرسمي، وما بين "دولةٍ جنوبيةٍ" و "الدولةُ الجنوبيةُ" يسكن فارقٌ لغويّ ظاهري، لكنه سياسيٌ عميق، لا يقل خطورة عن موازين القوى على الأرض.

في الجنوب حيث تتقاطع الجغرافيا بالتاريخ، وتُختزل أحلام الشعوب في مفردات، صار للغة حساباتها. فالتنوين الذي يعدّه النحويون أداةً من أدوات التنكير، قد يستخدمه السياسيون لتفريغ المعنى من دلالته. وعندما تُقال "دولةٌ جنوبيةٌ" فإنها تشير إلى كيان غير محدد، محتمل، متخيل. أما "الدولةُ الجنوبيةُ" فتعني الاعتراف، التحديد، القطع، والهوية الكاملة. وهنا تتجلى مفارقة اللغة حين تتحول من أداة للتعبير إلى أداة للمناورة.

كم من مرة استُخدمت المفردات المحايدة ظاهريًا لترويج مشاريع سياسية لا تقل خطورة عن البنادق؟ وكم من "لغة سلام" كانت مدخلاً لحرب؟ وكم من "بيان توافق" كانت تنقصه فقط تنوينات الحسم ليتحول إلى اتفاق مُلزِم؟ في خطاب الكثير من السياسيين والناشطين والبيانات الدولية، تُختار الكلمات بعناية مفرطة، ليس حبًا بالنحو، بل اتقاءً لوضوح الموقف. تُقال "القضية الجنوبية" لا "الحق الجنوبي"، ويُقال "مطالب الجنوبيين" لا "استحقاقاتهم"، ويُقال "الحل العادل للقضية الجنوبية" لا "استعادة الدولة الجنوبية". والغريب أن هذا الانزلاق اللفظي، الذي يُبرره البعض بـ "التحايل الدبلوماسي"، صار أداة لتكريس واقع مشوّه، يسكنه اللااعتراف، ويطيل أمد الغموض السياسي، ويمنح الخصوم هامشاً واسعًا للتهرب من الاستحقاقات. اللغة ليست محايدة. هذا ما تعلمناه من التجربة، من الخطابات، من البيانات الصادرة، من المراسلات الرسمية، بل حتى من الدساتير المؤقتة والاتفاقات. اللغة تصوغ الحق أو تميعه. تبني الهوية أو تذيبها. وهنا يجب أن نكون على وعيٍ تام بأن معركتنا ليست فقط على الأرض، بل أيضًا في النص. في الكلمة. في الحرف. في التنوين نفسه.

من التنوين اللغوي إلى السياسي تتجلى معارك الشعوب في تفاصيل دقيقة لا يلتفت إليها إلا من وعى أن النحو ليس ترفًا، وأن الكلمة التي تُقال في غير موضعها قد تُفهم كما يريدها خصمك لا كما تقصدها أنت. لذا فلنقلها صريحة واضحة: نحن لا نطلب "دولةً جنوبيةً" محتملة، بل نُطالب بـ "الدولةِ الجنوبيةِ" الحاضرة، المتجذّرة، التي لن يُنكرها تنوين، ولن يغطيها سكوت.




شاهد أيضًا

مفاجأة في نهاية 2025.. خبير مصرفي يكشف سيناريوهات سعر الدولا ...

الجمعة/05/ديسمبر/2025 - 04:00 ص

رجح خبير مصرفي أن يواصل سعر الدولار الانخفاض أمام الجنيه المصري ليتراوحبين 45 و 47 جنيها بنهاية ديسمبر 2025 مع توقعات بالهبوط إلى مستوى 45 جنيها بسبب


عاجل ..الأردن - العثور على جثة داخل منزل بالأزرق .. والأمن ي ...

الجمعة/05/ديسمبر/2025 - 03:45 ص

قال مصدر امني في الأمن الأردني، إنه ورد بلاغ إلى غرفة العمليات صباح اليوم حول وجود جثة شخص ثلاثيني متوفي داخل احد المنازل في الأزرق. وأضاف أنه وعلى ال


عاجل | ترامب: أنهيت حربا امتدت لعقود بين الكونغو ورواندا مع ...

الجمعة/05/ديسمبر/2025 - 03:30 ص

وقع الرئيس الأميركي ورئيسا رواندا وجمهورية الكونغو الديمقراطية اتفاق سلام الخميس في واشنطن، رغم استمرار العنف على الأرض في شرق جمهورية الكونغو الديمقر


ما حقيقة خبر استقالة البطريرك يوسف العبسي #عاجل ...

الجمعة/05/ديسمبر/2025 - 03:15 ص

نفت بطريركية الروم الملكيين الكاثوليك عبر بيان رسمي صادر عن المكتب الإعلامي لبطريرك أنطاكية وسائر المشرق للروم الملكيين الكاثوليك يوسف العبسي، ما نشرت