آخر تحديث :الأحد - 13 أكتوبر 2024 - 11:28 ص

آراء

لماذا يحتفل الانتقالي بالهوية الجنوبية في مناسبة ذكرى الثورة؟

السبت - 12 أكتوبر 2024 - الساعة 03:33 ص

الكاتب: د. فضل الربيعي - ارشيف الكاتب

عُرفت التكوينات الاقتصادية والاجتماعية عبر تاريخ البشرية الطويل، تطورا مطردا، و ذلـك نتيجة تطور قوى الإنتاج التي انعكس فعلها على علاقات الإنتاج التي تنظم حياة الناس، ونتج عنها ثقافة ولغة عرفتها كل الشعوب، من خلال تفاعل المجتمعات، والعيش المشترك تم التعبير عنه بواسطة تحديد الهوية، وعرفت كل الشعوب بهوياتها التي تميز كل شعب عن غيره والتي اخذت تسميات الدول فيما بعد، وتبقى خصوصية وثقافة كل شعب ذات أهمية في تحديد هويته، وفي إطار الحديث عن الهوية الجامعة توجد هناك ما يسميه علم الاجتماع بالهُويات الفرعية أو المحلية الاقاليم المقاطعات وغيرها. لقد عاش الجنوب في الفترة التاريخية الماضية صراعات طويلة بسبب تلك الغزوات التي تعرض لها، إلا انه ظل محافظا ومتمسكا بهويته.
بل يُعد الجنوب منظومة فكرية وثقافية وحضارية واحدة تشكلت عبر تاريخ الإنسان بالمنطقة نتج عنها تراثا حضاريا وثقافيا متمايزا عن المجتمعات الأخرى وهو دليل على تلك الروح الجمعية لابناء الجنوب الذين لعبوا دورا هاما في العلاقات الدولية والعربية من خلال الطرق التجارية عبر ميناء عدن، وغناء المكلاء والسحر، فضلا عن الدور الذي قام به الحضارم في بلدان المهجر إذ كانوا حاملين للفكر والثقافة والدين الإسلامي تركوا اثرا كبيرا في تلك البلدان .

وفي فترات لاحقة تعرضت الهوية الجنوبية أيضا إلى حملة من الممارسات التي لحقت الضرر والتشويه بها، وقبل الحديث عن ذلك لابد أن نعرف ماذا نعني بالهوية؟ انها الشعور بالانتماء إلى كيان اجتماعي واضح المعالم يميز مجتمع ما عن غيره من المجتمعات بعدد من الخصائص . كما تعرف الهوية بأنها تعبير يطلق على ما يميز مجموعة من الأفراد في دولة ما عن نظرائهم في دولة أخرى، بما فيها الدول المجاورة، بمعنى أن الهوية تتضمن مجموعة من العناصر التي تجعل الأفراد يرتبطون مع بعضهم بعضا وتجعلهم ينتمون إلى منطقة جغرافية معينة، وتكون الهوية الوطنية الربط بين الأفراد والأرض. لتجعل كل هوية تختلف عن الهويات الأخرى.. من هذا المنطلق يتحدث الجنوبيون عن استعادة هويتهم التي جمعتهم في إطار دولة مستقلة في السابقة.
لان دولة ما تسمى بالوحدة قد أحستهم بلا وطن ولا هوية لهم، خصوصا بعد تعرضهم للتهميش والإقصاء وقيام الحرب ضدهم، وصودرت كل ممتلكاتهم التي حافظوا عليها في السابق، واستبيحت أراضيهم ، وإلغائهم من المشاركة السياسية والاقتصادية، وضرب البنية الاقتصادية والاجتماعية وتفكك نمط الإنتاج المحلي المطبوع بالهوية الجنوبية وتفكيكك التنظيمات الاجتماعية والمدنية بعد اجتياح الجنوب بالحرب عام 1994م ، وتعرضت معالمهم التاريخية والثقافية والدينية التي كانت تجمعهم في هوية واحدة الى الطمس والتدمير . صراع الهوية والجدل والتنازع حولها ليس بجديد في الجنوب. كمفهوم الجنوب العربي، واليمن الجنوبي، والشطر الجنوبي، كل تلك المسميات تتعلق بالهوية. وآخطرها ما يجري حاليا في محاولات تفتيت الجنوب ذاته.
لقد كانت تسمية الجنوب العربي هي التسمية للكيان السياسي الجنوبي الواحد.
وقد جاء مشروع الكيان الجامع لربط المحميات وعدن في كيان سياسي واحد محدد الهوية، الذي ربما للأسف الشديد وجد هناك من يعارض ذلك بعضهم من لا ينتنون للجنوب اصلا، كانت هذه المعارضة موجهه لضرب هوية الجنوب والتشويش عليها لأغراض لم تتضح إلا في الوقت لاحق .

لم يدرك الجنوبيون تلك الأبعاد التي تستهدف هويتهم الوطنية، اذ انجروا يعارضون المشروع الفيدرالي للجنوب العربي ومعارضتهم تلك الذي جرُوا إليها من زاويا أخرى غير مدركين مخاطر ذلك على مستقبل هوية الجنوب؟
- قد يقول قائل ان اتحاد الجنوب العربي لم يشمل حضرموت والمهرة، نقول نعم ولكنه أي الاتحاد كان يسير في اتجاه ضم بقية المحميات كما هو واضح في الوثائق والمحاضر التي جرت في تلك الفترة .

لقد تعرضت الهوية الجنوبية لعددا من الضربات الممنهج ولحقة ضررا بالهوية.
مرت في ثلاث مراحل هي:

المرحلة الأولى :

- هجرة الأجانب الكبيرة إلى عدن من من الخارج بعد مجي الاستعمار وكذلك قدوم المهاجرين النازحين من المملكة المتوكلية اليمنية.
- ظهور بعض التنظيمات السياسية والمدنية النقابية في عدن التي تحمل اسم اليمن
المرحلة الثانية:
- تسمية جمهورية اليمن الجنوبية الشعبية في 1967م.

- تحويل اسم الجمهورية من جمهورية اليمن الجنوبية إلى جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية وشطب اسم الجنوب منها .

المرحلة الثالثة :
هي ما بعد الوحدة المزعومة عام 1990م
وحتى اليوم.

هذا الضرب الاستهداف للهوية يعود إلى جملة من العوامل والأسباب
يمكن حصرها في الاتي:

أولا : تتعلق في سياسة النظام السياسي (تنظيم الجبهة القومية ثم الحزب الاشتراكي اليمني) الذي سمي اليمني في عام 1978م
كان للفكر القومي العربي أثره في تلك الفترة ومحاربته للقطرية على نفس الصعيد جاءت الأفكار الأممية المتمثلة في الاشتراكية كمنهج للحزب الحاكم في الجنوب.
كل ذلك قد اثر سلباً على التمسك بالهوية الجنوبية.

ثانيا:
إن الخطر الأكبر الذي استهدف الهوية، هي الدخول بالوحدة غير المدروسة وهي وحدة ارتجالية لم تبنى على أسس واضحة تضمن حق الطرفين وعدم الانقلاب عليها بالحرب والممارسات التعسفية بحق ابناء الجنوب، لكنها ربما كانت هذه الممارسات هي التي إعادة انتباه الناس للهوية واستشعروا مخاطر ذلك على كيانهم الاجتماعي ومستقبل الأجيال، حيث تعرضت الهوية الجنوبية الى الهجوم المنظم والتدمير الممنهج من قبل سلطة نظام صنعاء منذ العام 1994م ، وقد تمثل ذلك في الاتي :

- رفض أي خصوصية للجنوب تحت مسمى الواحدية ، والوحدة .
- الهجوم المتوحش على الذاكرة الحضارية والتاريخية والنضالية لشعب الجنوب عبر محاولة طمس معالمها الحضارية والثقافية والدينية والاجتماعية .

- عمل نظام صنعاء على اخضاع الجنوب بالقوة العسكرية في محاولة منه لتفكيك الوحدة الداخلية للجنوب التي بنتها الدولة السابقة .

- تهميش الجنوب اقتصاديا وسياسيا وثقافيا بدعوة قدسية الوحدة مما جعل الجنوب يعيش بين واقع ملموس لا يمت للوحدة بصلة، وبين حلم الوحدة التي أنتجها الفكر القومي والاممي والديني .

- حرمان ابناء الجنوب من كل حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية مم جعلهم يعيشون خارج هوية الدولة الأمر الذي يعطيهم الحق للدفاع عن هويتهم الأصلية المسلوبة منهم عند ذلك انتفض الشعب في حراكه وثورته بهدف استعادة هويته ودولته.