في مشهد سياسي يعكس عمق الأزمة التي تعصف بالشرعية اليمنية، توالت اللقاءات المنفصلة التي أجراها رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، وعضوا المجلس عيدروس الزُبيدي وعبدالرحمن المحرمي في العاصمة عدن، دون أي مؤشرات على اجتماع وشيك للمجلس الذي لم يلتئم منذ أكثر من شهرين ونصف، ما يثير تساؤلات حادة حول مستقبل التوافق السياسي في البلاد.
مجلس بلا طاولة.. وخلافات تتعمق
بحسب رصد "العين الثالثة"، فإن مجلس القيادة الرئاسي لم يعقد أي اجتماع رسمي منذ الخامس من مايو الماضي، وهو مؤشر على حالة الجمود التي يعيشها المجلس، وسط أنباء مؤكدة عن تفاقم الخلافات الداخلية، لا سيما اتهامات بالتفرد بالقرار يوجّهها أكثر من عضو في المجلس لرئيسه.
عودة الزُبيدي والمحرمي مؤخرًا إلى العاصمة عدن بعد زيارة غير طويلة للرياض، بالتزامن مع بقاء العليمي في قصر المعاشيق منذ عيد الأضحى، وتواجد طارق صالح في المخا منذ أشهر، كلها تعكس حالة "التشظي الإداري" الذي يضرب مؤسسات الشرعية، فيما لا يزال عضوا المجلس سلطان العرادة وعبدالله العليمي في الرياض، ما يعني أن غالبية أعضاء المجلس متفرقون جغرافيًا وسياسيًا أيضًا.
العاصمة عدن تُجسد الخلاف.. وتتحمل الكلفة
اللافت أن هذه الخلافات لم تعد خافية أو قابلة للإنكار، بل تحوّلت إلى مشهد علني واضح، ففي الأيام الأخيرة، رصدت "العين الثالثة" سلسلة من اللقاءات المنفصلة التي أجراها كل من الزُبيدي والمحرمي مع عدد من مسؤولي الدولة، أبرزها لقاءاتهما المنفردة مع رئيس الوزراء الدكتور أحمد بن بريك لمناقشة الوضع الاقتصادي والخدمي في المناطق المحررة، في ظل غياب أي تنسيق مشترك أو غطاء من مجلس القيادة الرئاسي.
في المقابل، يواصل العليمي عقد لقاءاته من قصر المعاشيق، وكأن كل عضو في كيان واحد بات يدير شؤونه السياسية بمعزل عن الآخر، وهو ما يعكس غياب الإرادة الجادة للتفاهم، أو حتى التعايش ضمن إطار قيادي موحد.
"انفصال سياسي".. في الوقت الخطأ
ما يزيد من خطورة هذا الانقسام أنه يأتي في وقت تُعاني فيه البلاد من أزمات متعددة، تتصدرها الأزمة الاقتصادية التي أرهقت ملايين المواطنين، إضافة إلى تدهور حاد في الخدمات، وانهيار العملة، وتزايد الاحتقان الشعبي، لا سيما في العاصمة عدن، التي باتت تمثل النموذج الأوضح لفشل المنظومة السياسية في تلبية الحد الأدنى من احتياجات السكان.
ورغم أن تحركات سعودية سابقة هدفت إلى عقد اجتماع طارئ لأعضاء المجلس في الرياض لحلحلة الخلافات، فإنها لم تنجح في تجسيد هذا اللقاء، وهو ما يضع علامات استفهام حول مستقبل العلاقة بين الأطراف المكونة للمجلس، ومدى قدرتها على تجاوز التباينات أو حتى إدارة الخلاف بطريقة مؤسسية.
الشرعية في مفترق طرق.. والحوثي في مأزق
يقول محللون لـ"العين الثالثة" إن ما يحدث في مجلس القيادة هو "أزمة قيادة في لحظة حاسمة"، إذ تمر جماعة الحوثي بأضعف مراحلها نتيجة الضغوط الدولية والإقليمية، وهناك فرصة تاريخية لإعادة ترتيب البيت اليمني وتضييق الخناق على الجماعة، غير أن هذا التفكك الواضح داخل الشرعية يضعف الموقف الوطني برمّته، ويقوض أي جهود لاستعادة الدولة أو تعزيز الاستقرار.
ويحذّر مراقبون من أن استمرار هذا الوضع سيقود إلى تآكل ثقة الشارع أكثر، وربما يدفع نحو سيناريوهات أشدّ خطورة، في حال خرجت الأوضاع عن السيطرة، سياسيًا أو شعبيًا.
تساؤلات بلا أجوبة
في ظل هذا المشهد المعقّد، يبرز سؤال لا يزال الشارع العدني يردّده بقلق: هل ما زال هناك أمل في أن يعود مجلس القيادة إلى طاولة واحدة؟ وهل تدرك الأطراف أن استمرار الانقسام ليس مجرد خلاف داخل مؤسسة، بل تهديد لمصير وطن بأكمله؟ أم أن "الانفصال السياسي" بات هو القاعدة، وعدن والمناطق المحررة هي وحدها من تتحمّل الفاتورة؟
حتى الآن، لا يبدو أن هناك إجابة واضحة... لكن المؤكد أن "العين الثالثة" ستواصل رصد ما خلف الكواليس، وتقديم الصورة كاملة، كما هي، بعيون ثلاث.