في مشهد يعكس الانهيار الاقتصادي العميق الذي تعانيه العاصمة عدن، تجاوز سعر كيس دقيق القمح (50 كجم) حاجز 63 ألف ريال يمني، ليتفوق بذلك على متوسط رواتب الموظفين الحكوميين، والتي تتراوح ما بين 40 إلى 60 ألف ريال شهريًا، في كارثة معيشية صادمة تعصف بأكبر مدن الجنوب اليمني.
وتأتي هذه القفزة السعرية الجنونية وسط شلل كامل في الخدمات الأساسية، من كهرباء وغاز ومياه، ما فاقم من معاناة آلاف الأسر، وألقى بها في قاع الفقر والعوز، دون أي تدخل حكومي ملموس يخفف وطأة الأزمة.
▪ تضاعف جنوني في الأسعار.. وصمت حكومي مطبق
ووفقاً لمصادر محلية، فقد شهدت أسعار المواد الغذائية الأساسية — بما في ذلك السكر، الأرز، الزيت، البقوليات، مشتقات الحليب — ارتفاعات متزامنة، وصفها خبراء اقتصاديون بـ"الانفجار الصامت"، مؤكدين أن الأسعار تضاعفت أكثر من 20 مرة مقارنة بما قبل الحرب التي اندلعت عقب انقلاب الحوثيين في 2014.
وفي حين يُتهم تجّار كبار ومسؤولون نافذون بالوقوف خلف موجات الاحتكار والتلاعب، لا تزال الجهات الرسمية عاجزة عن اتخاذ أي إجراءات فاعلة، وسط اتهامات واسعة بالفساد والتواطؤ.
▪ "مجاعة صامتة".. تتسلل إلى بيوت عدن
يرى مراقبون أن عدن باتت اليوم على أعتاب "كارثة إنسانية وشيكة"، تشبه المجاعة لكنها تزحف ببطء، دون صور صارخة أو جثث على الأرصفة، بل بصمت في البيوت الفارغة والمطابخ الخاوية.
وأكدت منظمات حقوقية محلية أن الأزمة الحالية ليست مجرد "غلاء"، بل هي "عملية خنق اقتصادي ممنهجة"، مشيرة إلى أن عدن تحوّلت من "عاصمة" إلى "مدينة مرهقة"، يهاجر منها الأمل كما يهاجر السكان.
▪ مطالبات بالتحقيق والمحاسبة
وفي ظل هذا الانهيار، تتصاعد الأصوات الشعبية المطالبة بفتح تحقيق عاجل في أسباب الانفجار السعري، ومحاسبة المتورطين في الفساد والاحتكار، وفرض رقابة حكومية صارمة على الأسواق، قبل أن تفقد المدينة آخر ما تبقى من صمودها الاجتماعي.
"إذا كان الدقيق أغلى من الراتب، فبماذا نعيش؟!".. تساؤل يردده أبناء عدن اليوم، في مواجهة واقع اقتصادي لم يعد يحتمل الصمت.