في مشهد يعكس هشاشة الوضع السياسي وتعقيداته المتزايدة، عقد مجلس القيادة الرئاسي اجتماعه الأخير في العاصمة السعودية الرياض، وسط أجواء مشحونة بالتوتر والانقسامات الداخلية.
الاجتماع، الذي كان من المفترض أن يضع خارطة طريق لمعالجة الأزمات المتفاقمة في المناطق المحررة، انتهى دون نتائج تذكر، ما عمّق حالة الإحباط لدى الشارع الجنوبي واليمني عمومًا.. وبين تصدّع المواقف داخل المجلس واستمرار الانهيار الاقتصادي والخدمي، بات واضحًا أن الأزمات خرجت عن نطاق السيطرة، بينما تظل الحلول غائبة في أروقة السلطة.
وبينما تترقب المناطق المحررة من اليمن بريق أمل ينقذها من الانهيار الاقتصادي وتدهور الخدمات، جاءت نتائج اجتماع مجلس القيادة الرئاسي الأخير لتضيف مزيدًا من الإحباط الشعبي.
الاجتماع الذي انعقد في العاصمة السعودية الرياض برئاسة رشاد العليمي، وبغياب بارز للواء عيدروس الزُبيدي، بدا في ظاهره محاولة لإعادة الروح للمجلس بعد أشهر من الجمود، إلا أن مخرجاته أكدت استمرار حالة الشلل.
اجتماع بلا قرارات حاسمة
البيان الرسمي الصادر عقب الاجتماع لم يحمل سوى عبارات فضفاضة تخلو من أي خطة واضحة للتعامل مع الأزمات المتفاقمة في المحافظات المحررة.. لا حلول ملموسة لمعالجة الانهيار الاقتصادي الذي اشتدت وطأته على المواطنين خلال الأسابيع الأخيرة، ولا حتى موقف معلن بشأن التطورات العسكرية، سواء ما يتعلق بالغارات الجوية الأمريكية على مواقع الحوثيين أو التقارير المتداولة عن استعدادات لعمليات برية.
قضية بن مبارك تتصدر المشهد
رغم الصورة الرسمية للاجتماع، كشفت تسريبات سياسية أن القضية الرئيسية التي استحوذت على النقاش كانت تتعلق بمصير رئيس الحكومة أحمد عوض بن مبارك.. رشاد العليمي، الذي يقود حملة لإقالة بن مبارك منذ أشهر، حاول حسم الأمر خلال الاجتماع، إلا أن الانقسامات بين أعضاء المجلس حالت دون ذلك، فبين معارضين ومؤيدين وغياب بعض الأعضاء، لم يتم التوصل إلى اتفاق على اسم بديل، ما أبقى ملف الإقالة معلقًا.
صراع شخصي أم أزمة إدارة؟
ما يزيد من تعقيد المشهد هو أن بن مبارك، الذي لم يمضِ على تعيينه أكثر من عام، جاء بدعم قوي من الأطراف ذاتها التي تسعى اليوم لإقالته، وعلى رأسها العليمي نفسه.
الصراع بين الطرفين انعكس بوضوح على أداء الحكومة، التي تعطلت اجتماعاتها منذ نوفمبر الماضي، ما ساهم في تعميق الأزمة الاقتصادية والخدمية التي تشهدها المناطق المحررة.
الأزمة أعمق من تغيير الأسماء
تبدو محاولات الإطاحة ببن مبارك وكأنها اختزال للأزمة المركّبة التي تعصف بالمناطق المحررة، فالمشكلة ليست في شخص رئيس الوزراء بقدر ما هي في نهج الإدارة ذاته، والذي وُصف بالعبثي منذ اندلاع الحرب عام 2015.
السياسات الاقتصادية العشوائية، والإنفاق غير المنضبط، إضافة إلى غياب الشفافية في توريد الإيرادات – لا سيما تلك المرتبطة بالنفط والغاز – كلها عوامل جعلت الأزمة تتجاوز قدرات أي حكومة على معالجتها دون إصلاحات هيكلية شاملة.
غياب الرؤية الشاملة
المشهد الحالي يعكس خللاً عميقًا في بنية الشرعية اليمنية ومجلس القيادة الرئاسي، إذ لا تزال آليات اتخاذ القرار تتسم بالارتجالية والارتباط بالمصالح الشخصية، بدلاً من العمل وفق رؤية واضحة لمعالجة التحديات، ومع استمرار هذه العقلية، تظل الخطط المطروحة مجرد مسكنات مؤقتة لا تلامس جوهر الأزمة.
الحاجة إلى إصلاح جذري
الواقع الذي تعيشه المناطق المحررة اليوم يستدعي ما هو أكثر من تغييرات شكلية على مستوى الأسماء والمناصب، فالمطلوب هو إعادة بناء منظومة الحكم على أسس وطنية شفافة تضع مصلحة المواطن في المقام الأول، وتكسر دائرة الصراع السياسي العبثي الذي يدفع ثمنه أبناء الجنوب يوميًا، بدون هذا التحول الجذري، سيبقى الحديث عن إقالة بن مبارك أو غيره مجرد محاولة لتجميل وجه الأزمة لا أكثر.