تتجه الأنظار في الآونة الأخيرة إلى قضية إغلاق المدارس اليمنية في جمهورية مصر العربية، والتي تعكس تحديات معقدة تواجه الجالية اليمنية في المهجر، ويُعتبر هذا الحدث مؤشراً على الفجوات في التواصل بين الجهات الرسمية اليمنية ونظيرتها المصرية، كما يسلط الضوء على الأبعاد الإنسانية والاجتماعية التي تترتب على هذه الإغلاقات.
في هذا السياق، نشر الدكتور هزم أحمد مقالًا تحت عنوان "إغلاق مدارس يمنية في مصر: من يتحمل المسؤولية، الجانب المصري أم اليمني؟"، حيث تناول فيه الوضع الراهن للمدارس الأهلية اليمنية في مصر، مؤكدًا على أهمية تحديد المسؤوليات المشتركة بين الجانبين.
دور مصر في احتضان الوافدين
تُعد جمهورية مصر العربية نموذجًا يُحتذى به في دعم الوافدين، حيث فتحت أبوابها للمتضررين من الحروب في العديد من الدول العربية، مثل سوريا وليبيا والعراق، بالإضافة إلى اليمن والسودان.
على الرغم من التحديات الاقتصادية التي تواجهها البلاد، إلا أن القيادة المصرية، تحت إشراف الرئيس عبد الفتاح السيسي، أظهرت التزامًا إنسانيًا تجاه هؤلاء الأفراد، مما يعكس قيم الضيافة والأخوة العربية. ولكن هذا الالتزام يتطلب أيضًا تنظيمًا دقيقًا لمختلف الأنشطة الاجتماعية والتعليمية التي يمارسها هؤلاء الوافدون.
خلفية الإغلاق: عدم الامتثال للتشريعات
تحتوي العاصمة المصرية على حوالي 10 مدارس يمنية، تضم أكثر من 8000 طالب، مما يجعلها مؤسسات حيوية في حياة الجالية اليمنية، ومع ذلك، فقد حذرت الجهات المصرية، ممثلة في وزارة التربية والتعليم، من عدم الالتزام باللوائح القانونية والإدارية، حيث تمثل المدارس الأهلية أحد الأنشطة التي تحتاج إلى مراقبة دقيقة وتنظيم مناسب.
وبحسب تصريحات المسؤولين المصريين، كان هناك دعوات لتصحيح الأوضاع قبل أكثر من أشهر، لكن لم يتم اتخاذ الإجراءات المناسبة من قبل الجهات المعنية في السفارة اليمنية.
دور السفارة والملحقية الثقافية: غياب التواصل الفعال
يُعَد دور السفارة اليمنية والملحقية الثقافية في مصر أساسيًا في حماية حقوق الطلاب وضمان استمرارية العملية التعليمية. كان من الواجب على الملحقية تكليف فريق لمتابعة المدارس والتحقق من التراخيص والإجراءات القانونية المطلوبة، ومن المؤسف أن الوضع الحالي يكشف عن غياب قسم متابعة فعال داخل السفارة، مما يؤدي إلى عدم التواصل السليم مع السلطات المصرية.
هذا الإغفال يُبرز ضعف التنسيق بين الجانبين، حيث كان ينبغي على السفارة أن تكون أكثر استباقية في متابعة القوانين والتصريحات المصرية ذات الصلة، وأن تُعطي توجيهات واضحة للمسؤولين في المدارس الأهلية لضمان التزامهم بالتشريعات المحلية.
الآثار المترتبة على الإغلاق
إغلاق المدارس لم يؤثر فقط على الطلبة وأسرهم، بل أدى أيضًا إلى حالة من القلق والتوتر داخل المجتمع اليمني في مصر. إن حرمان الأطفال من التعليم لا يعني فقط خسارة في المعرفة، بل قد يسبب تداعيات اجتماعية ونفسية خطيرة، بحيث يشعر الكثير من الأسر بأنهم تركوا بلا دعم أو حماية، في وقت كانوا في أمس الحاجة إلى استمرارية التعليم الذي يعد أحد أساسيات الحياة.
الإعلام وتحميل المسؤولية
من المؤسف أن بعض وسائل الإعلام تناولت قضية الإغلاق من منظور تبرئة الجهات اليمنية، مما أعطى انطباعًا خاطئًا حول مسؤولية الجانب المصري. يجب أن نكون واعين لحقيقة أن الجانبين يتحملان المسؤولية عن الوضع الحالي، بينما قامت السلطات المصرية بتنبيه السفارة اليمنية بضرورة تصحيح الأوضاع، لم يكن هناك استجابة كافية من قبل الجهة المسؤولة عن التعليم في السفارة، مما يزيد من تعقيد المشكلة.
الدعوة إلى تحسين الأداء والتعاون
يُعتبر تحسين الأداء الحكومي للسفارة والملحقية الثقافية أمرًا حيويًا لمواجهة التحديات التي تواجهها الجالية اليمنية، ويجب أن تتبنى السفارة استراتيجية فعالة للتواصل مع الجهات المصرية، بالإضافة إلى متابعة القوانين والتشريعات ذات الصلة. إن إنشاء قسم متابعة يكون مسؤولًا عن تنسيق الأنشطة التعليمية، سيؤدي إلى تحسين الوضع بشكل ملحوظ.
نحو مستقبل أفضل
إن إغلاق المدارس اليمنية في مصر هو حدث يحمل دلالات عميقة حول ضرورة تعزيز التعاون بين الجانبين اليمني والمصري، ويجب على السفارة والملحقية الثقافية أن تأخذا دورهما بجدية أكبر في حماية حقوق الطلاب وضمان استمرارية التعليم، والمضي قدمًا يتطلب رؤية مشتركة، حيث تُعتبر الجالية اليمنية جزءًا لا يتجزأ من النسيج الاجتماعي المصري. إن التعليم هو حق أساسي لكل طفل، ويجب أن يُسهم الجميع في ضمان استمراريته.