في ظل الفوضى والحرب التي مزقت اليمن على مدى العقد الماضي، تمكنت مجموعة صغيرة من القيادات السياسية المرتبطة بحزب الإصلاح اليمني (الذراع المحلي لجماعة الإخوان المسلمين) من السيطرة على ثروات ضخمة وتحويلها إلى استثمارات خارجية تقدر بمليارات الدولارات، فيما تفاقم حجمها بشكل غير مسبوق منذ 2014 وحتى اليوم.
الاستيلاء على الثروات: كيف بدأت القصة؟
تعود بداية هذه الثروات إلى الصعود المفاجئ لحزب الإصلاح خلال فترة حكم الرئيس عبدربه منصور هادي، حين سيطرت قياداته على المناصب الحساسة في الدولة، وخاصة في مجالات النفط والغاز، وأصبحت تسيطر على الإيرادات السيادية من الضرائب والجمارك، ومع انهيار الدولة اليمنية وانشغالها بالحرب، تمكنت هذه القيادات من تحويل تلك الأموال إلى استثمارات خارجية ضخمة.
القيادي البارز ياسين عبدالعزيز القباطي، عضو الهيئة العليا للحزب ونائب رئيسه لأكثر من ثلاثين عاماً، هو الشخصية الأكثر غموضاً والأكثر تأثيراً في إدارة هذه الثروات. ويشير مراقبون إلى أن القباطي، الذي كان مرشداً سابقاً لجماعة الإخوان في اليمن، يعمل بالتنسيق مع حميد عبدالله الأحمر وشقيقه مدحج الأحمر، إلى جانب شخصيات أخرى مثل محمد المخلافي وحمود سعيد المخلافي ووسيم القرشي وصلاح باتيس ونايف البكري.
تضخم الثروات: من مليارات إلى عشرات المليارات
وفقاً لمصادر مطلعة، قدرت ثروة الحزب الخارجية بحوالي 3 مليارات دولار في عام 2014، ولكنها تضاعفت بشكل هائل لتصل إلى أكثر من 47 مليار دولار في مطلع العام 2024، وجاءت هذه الزيادة الكبيرة من مصادر متعددة، بما في ذلك الأموال المنهوبة من ثروات اليمن، والهبات والمساعدات الدولية، والتبرعات من دول وجمعيات مختلفة.
أبرز الدول التي استضافت هذه الاستثمارات تشمل تركيا، بريطانيا، ليتوانيا، ألمانيا، السويد، النرويج، ماليزيا، الصين، سنغافورة، إريتريا، تنزانيا، وجنوب أفريقيا، وتنوعت هذه الاستثمارات بين أصول، سندات، أسهم، وعقارات.
الصراعات الداخلية: تصاعد التوترات والخلافات
مع تقدم القيادي ياسين القباطي في السن وفرض عقوبات أمريكية على حميد الأحمر، بدأت التوترات تتصاعد داخل الحزب، وبات القلق من تجميد هذه الاستثمارات حقيقياً، خاصة مع تصاعد الضغوط الدولية على الحزب وقياداته من قبل واشنطن وحلفائها الأوروبيين.
وتخشى قيادة الحزب من أن هذه الثروات أصبحت رهينة للمصالح الخارجية، لا سيما الولايات المتحدة التي، منذ الربيع العربي، عملت على دعم وتغطية قيادة حزب الإصلاح، وتحولت هذه الاستثمارات إلى وسيلة ضغط من قبل واشنطن ولندن، حيث أصبحت قرارات الحزب خاضعة لمصالح تلك الدول، بما في ذلك مصالح تركيا وقطر وحتى السودان وإريتريا.
التأثير السياسي: حزب الإصلاح ورهينة القرار الخارجي
من الواضح أن هذه الاستثمارات الخارجية التي يديرها القياديون البارزون في حزب الإصلاح قد رهنت استقلالية الحزب وقراراته، وباتت سياساته، خاصة تجاه القضايا الإقليمية والدولية، تتأثر بشكل كبير بمواقف العواصم الغربية والعربية التي تحتضن أمواله.
يقول المحللون إن هذا الارتهان المالي يجعل من الحزب أداة ضغط وابتزاز في يد واشنطن ولندن، حيث تستغل تلك العواصم ثروات الحزب للتأثير على مواقفه وقراراته السياسية.
مستقبل حزب الإصلاح: إلى أين؟
في ضوء هذه التطورات، يواجه حزب الإصلاح تحديات داخلية وخارجية كبيرة، من ناحية، تتصاعد الخلافات داخل الحزب حول إدارة هذه الثروات، ومن ناحية أخرى، يواجه ضغوطاً دولية قد تؤدي إلى تجميد أصوله واستثماراته في الخارج، وقد تدفع هذه التطورات الحزب إلى إعادة التفكير في استراتيجياته السياسية والاقتصادية، خاصة في ظل التهديدات المتزايدة التي تلوح في الأفق.
إن المستقبل القريب قد يشهد صراعات داخلية حادة داخل حزب الإصلاح، حيث يسعى كل جناح للحفاظ على حصته من تلك الثروات الهائلة، وفي الوقت نفسه، قد تجد قيادات الحزب نفسها مضطرة للتفاوض مع القوى الدولية للحفاظ على استثماراتها، مما قد يزيد من الارتهان للخارج.
حزب الإصلاح اليمني، الذي بات يتحكم بثروات هائلة في الخارج، يواجه اليوم منعطفاً حاسماً في تاريخه في ظل التهديدات الداخلية والخارجية، سيظل السؤال الأساسي هو: هل سيستمر الحزب في الرضوخ للضغوط الخارجية للحفاظ على استثماراته؟ أم سيواجه الخلافات الداخلية التي قد تؤدي إلى تفككه؟ الأيام القادمة ستكشف الكثير حول مستقبل هذه الثروات وقرارات الحزب.