في مشهد يمني بالغ التعقيد، حيث تتداخل خطوط الحلفاء والأعداء، تبرز السفارة الأمريكية في اليمن كمرآة لسياسة واشنطن المرتبكة. فبينما ترفع شعارات مكافحة الإرهاب، تنفتح أبوابها لعناصر محسوبة على جماعات مصنّفة إرهابية، في تناقض يهدد ليس فقط المصداقية الأمريكية، بل الاستقرار الإقليمي برمته.
تناقض صارخ: من التصنيف إلى الدعم
تصف الولايات المتحدة حزب الإصلاح اليمني (الذراع السياسية لجماعة الإخوان المسلمين) كجماعة مرتبطة بالتطرف، لكنها في الميدان تمهّد لدعمه بصورة غير مباشرة. هذا التناقض يثير الشكوك حول جدية واشنطن في حربها على الإرهاب، ويكشف خللاً استراتيجياً في قراءتها لتعقيدات اليمن وتحالفاته المتشابكة.
صمت على اغتيال وتصريحات سطحية
إحدى اللحظات الفاضحة لسياسة السفارة كانت تجاهلها التام لجريمة اغتيال افتهان المشهري، أول مسؤولة محلية في تعز، قُتلت على يد جماعة مسلحة تابعة للواء إصلاحي. الجريمة التي شغلت الرأي العام لم تحظَ بأي إدانة أمريكية، في الوقت الذي انشغلت فيه السفارة بنشر إدانات سطحية لأحداث عابرة لا ترقى إلى حجم الفاجعة.
اختراق منظم: "الإصلاح" داخل السفارة
الأخطر – بحسب مصادر مطلعة – هو وجود عناصر إصلاحية تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر داخل السفارة، تقوم برفع تقارير مغلوطة تهدف إلى:
-
تشويه صورة القوى الوطنية مثل المجلس الانتقالي الجنوبي.
-
تضخيم دور الإصلاح وتلميعه كـ"بديل ديمقراطي معتدل".
-
التأثير على القرار الأمريكي بما يخدم أجندة الجماعة.
هذا الاختراق يطرح سؤالاً مركزياً: كيف تسمح واشنطن لجماعة تصنفها على أنها إرهابية بالتحكم في نوافذ معلوماتها الدبلوماسية؟
دبلوماسية الكاريكاتير: انفصال عن الواقع
حتى على منصات التواصل، لم تسلم السفارة من العبث. فبدلاً من تقديم مواقف جادة، تحوّل حسابها الرسمي على منصة "X" إلى ساحة رسومات كاريكاتيرية ومنشورات سطحية، تعكس انفصالاً تاماً عن الواقع اليمني المأزوم، وتحوّل العمل الدبلوماسي إلى استعراض شكلي أقرب إلى السخرية.
التداعيات: تهديد مباشر للاستقرار
هذه السياسة المتناقضة ليست مجرد أخطاء بروتوكولية، بل تحمل مخاطر استراتيجية:
-
تقويض فرص السلام: دعم قوى متهمة بالإرهاب يطيل أمد الحرب.
-
تعزيز النفوذ الإيراني: إضعاف القوى المناهضة للحوثيين يصب في مصلحة طهران.
-
انهيار المصداقية الأمريكية: التناقض بين الخطاب والفعل يفرغ واشنطن من قوتها الناعمة.
ما الذي ينبغي على واشنطن فعله؟
-
فتح تحقيق في اختراق حزب الإصلاح للسفارة وتطهيرها من العناصر المشبوهة.
-
إجراء مراجعة مستقلة للسياسة الأمريكية في اليمن بعيداً عن تأثير اللوبيات.
-
إلزام السفارة باحترافية وشفافية في تعاملها مع الملفات اليمنية.
-
الاعتراف بالدور الحقيقي للقوى الفاعلة على الأرض، وعلى رأسها المجلس الانتقالي الجنوبي، الذي أثبت فاعليته في مواجهة الإرهاب والحوثيين.