آخر تحديث :الإثنين - 20 مايو 2024 - 01:55 م

خبز وكعك وإشاعة

الثلاثاء - 07 مايو 2024 - الساعة 01:52 م

سمير عطاء الله
الكاتب: سمير عطاء الله - ارشيف الكاتب


كان سعيد فريحة يكرر في كتاباته قولاً لا أذكر صاحبه، خلاصته، إذا أردت أن تقتل خصماً لا تطلق عليه رصاصة، بل �إشاعة�. عشتُ الحياة أختبر عبقرية هذا القول، خصوصاً خلال الحرب الأهلية اللبنانية. كان مؤلفو الإشاعات لا يهدفون فقط إلى اغتيال شخص واحد، بل إلى قتل الجماعات التي لم يروا لأهلها وجهاً من قبل.

الإشاعة تعني سلفاً أن الخبر غير صحيح. لكن الناس تحب تصديق الكذبة وترفض أن تصدق النفي. وتعيش بعض الإشاعات الشهيرة مدى العصور مهما حاول المؤرخون نقضها.

لعل أشهر إشاعة في التاريخ تلك التي طالت ملكة فرنسا زوجة لويس السادس عشر، النمساوية ماري أنطوانيت. فقد نُسب إليها في ذروة الثورة الفرنسية أنه جاء مَن يبلغها بأن الناس جائعون لا يجدون خبزاً يأكلونه، فأجابت: �فليأكلوا الكعك�.

دوَّن الحكاية مفكر الثورة جان جاك روسو في كتاب �اعترافات�. وسارع الناس إلى تصديقها، كما قاموا بإرسال ماري أنطوانيت إلى المقصلة، بعد عامين من قطع رأس زوجها. غير أن المؤرخين أجمعوا على أنه لا يمكن لماري أنطوانيت أن تتلفظ بمثل هذا القول. رغم ما اشتهرت به من حماقات. ولا يمكن خصوصاً أن تُدلي بهذه الجملة القاتلة، بينما هي تفاوض رجال الثورة من خلال الخطيب الشهير ميرابو. لكنّ الإشاعات لا تخضع للمنطق لأنه إلغاء لها. 

يعود �كعك� ماري أنطوانيت إلى الذاكرة كلما أشهر بعض أهل التواصل الكذب والتلفيق والسم في وجه الأبرياء والمشتبهين على السواء. وقد تكثفت حملات التواصل وزادت فنونها وكثر ابتذالها وبذاءتها. ولا شك في أن الكثيرين أعرضوا عنها، لكن ضبطها سوف يستغرق وقتاً طويلاً، تتدهور خلاله أعراف وآداب وأخلاق شتى.

 

لعب بعض الصحافيين في الماضي أدواراً وضيعة في تدمير حياة الناس. اتهموا الأبرياء تهماً قاتلة معنوياً واجتماعياً، وحتى جسدياً، من دون أي شعور إنساني بالمسؤولية. وكان أحد هؤلاء يوزع التهم السامة في مجلته ومجالسه بالبساطة التي يلقي بها النِّكات السمجة. وقد مات قبل أن يتسنى له الاعتذار من ضحاياه عن الجرائم المجانية التي ارتكبها لأسباب لا تتعدى حقارة النفس وعدمية الخُلق.

 

كان يكتب الإشاعة، أو يرويها على أنها جزء من عمله وحياته، والارتزاق بالابتزاز. لكن أحياناً كان يرمي السم على الأبرياء هوايةً أو طبيعةً، من دون أن يفكر لحظة في أثرها. والأسوأ أنه كان، إذا فكّر، يمضي فيما يرتكب، متمتعاً بلذة الشر والأذى المرير.

 

�المهن الحرة� يجب أن يحكمها مبدأ الحرية ورقيها وغاياتها. وإلا تحولت إلى خناجر تدمي كل ما حولها قبل أن ينهيها صدؤها.





شاهد أيضًا

جيلٌ واعد.. حفل تخرج استثنائي لطلاب مدرسة التفوق يُبشّر بمست ...

الإثنين/20/مايو/2024 - 12:36 م

احتفلت مدرسة التفوق النموذجية الاهلية بالعاصمة عدن صباح اليوم الاثنين بحفل تخرج مميز لطلاب الصفوف الثلاثة الأولى الابتدائية، وذلك بحضور عدد كبير من أو


الرئيس الزُبيدي يُعزَّي الدكتور محمد أمزربه بوفاة عمته ...

الأحد/19/مايو/2024 - 10:32 م

بعث الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة، برقية تعزية ومواساة إلى الدكتور محمد علوي أمزربه رئيس مج


فضيحة مدوية.. بن مبارك يُغرق اليمن في الظلام ويُضيء جيوب الف ...

الأحد/19/مايو/2024 - 07:07 م

في منشور صادم على صفحته في الفيسبوك تابعه "العين الثالثة"، كشف الصحفي منير النقيب، رئيس تحرير صحيفة 4 مايو، عن اعترافات خطيرة أدلى بها رئيس الحكومة ال


الرئيس الزُبيدي يُؤكّد دعمه للجنة العسكرية والأمنية العُليا ...

الأحد/19/مايو/2024 - 02:44 م

التقى الرئيس القائد عيدروس قاسم الزبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، بمكتبه بالقصر الرئاسي في التواهي بالعاصمة عدن،