تشهد مدينة صنعاء اليمنية الخاضعة السيطرة الحوثيين، حالة استنفار أمني وعسكري غير مسبوقة مع اقتراب ذكرى تأسيس حزب المؤتمر الشعبي العام، في 24 أغسطس (آب)، وذكرى ثورة 26 سبتمبر (أيلول) 1962، وسط مخاوف متزايدة لدى الجماعة من الدلاع انتفاضة شعبية مناهضة لحكمها الانقلابي.
ووفق مصادر مطلعة، كثفت الجماعة خلال الأيام الماضية انتشارها العسكري والأمني في صنعاء ومحيطها، حيث شوهدت أعداد كبيرة من عناصرها على متن دوريات ومدرعات في الشوارع الرئيسية ومداخل ومخارج المدينة، إضافة إلى وجود مكتف في الأحياء والحارات السكنية، في مشهد يوحي بفرض حالة طوارئ غير معلنة.
الانتشار الحوثي جاء عقب خطاب متلفز الزعيم الجماعة عبد الملك الحوثي ينته قناة المسيرة الخميس الماضي، حذر فيه أنصاره مما وصفه بـ�مؤامرة خارجية. تستهدف حركته، داعياً إياهم إلى اليقظة والحيطة...
بالتوازي كلفت عناصر ما يسمى الأمن الوقائي حملات التفتيش على هوية المدنيين، لا سيما الشباب والمراهقين القادمين من المحافظات إلى صنعاء. وأكد. شهود أن الجماعة نفذت عمليات تدقيق واستجواب موسعة شملت ركاب الحافلات وسألتهم عن أسباب دخولهم صنعاء وأماكن إقامتهم، في خطوة تعكس حالة القلق المسيطرة على قيادة الجماعة.
ويقول جميل�، وهو شاب من محافظة إب (193) كيلومتراً جنوب صنعاء)، إن مسلحين حوثيين أوقفوا الحافلة التي كانت تقله إلى صنعاء، وأخضعوا جميع الركاب العمليات تفتيش مهينة ترافقت مع أسئلة استفزازية واتهامات مبطنة، ويضيف: �لقد عينوا بحقائبنا واحتجزونا أكثر من ساعة وكأننا مجرمون
تحريض وترهيب لم تقتصر التحركات الحوثية على الجانب الأمني، بل امتدت إلى منابر المساجد، حيث شن خطباء تابعون للجماعة خلال خطب الجمعة الماضي. حملة تحريض علنية ضد كوادر وأعضاء حزب المؤتمر الشعبي المتبقين في صنعاء، متهمين إياهم بـ�العمالة للخارج.. والسعي لتشكيل خلايا نائمة، لإسقاط حكم
الجماعة.
ويرى سياسيون في صنعاء أن الجماعة تحاول من خلال هذه اللغة التحريضية تبرير استنفارها الأمني، وتخويف قواعد المؤتمر من أي تحرك جماهيري محتمل خصوصاً مع تصاعد حالة الاحتقان الشعبي نتيجة الفقر والجوع وغياب الخدمات الأساسية.
وفي خطوة عدها ناشطون رسالة تهديد واضحة، نفذت الجماعة استعراضاً عسكرياً أمام منزل الشيخ الراحل عبد الله بن حسين الأحمر في منطقة الحصبة شمال صنعاء. ترافق مع ترديد شعارات طائفية وهتافات الصرخة الخمينية..
واتهمت الجماعة الشيخ حمير الأحمر. نجل الزعيم القبلي الراحل واحد قيادات المؤتمر بالتآمر مع أطراف خارجية وعرقلة ما تزعم أنه �دعم جبهة غزة�.
ويقول ناشطون حزبيون في صنعاء إن مثل هذه الاستفزازات تكشف عن خشية الحوثيين من رمزية بيت الأحمر� وقبيلة حاشد التي لا تزال تمثل ثقلاً اجتماعياً وسياسياً، رغم محاولات الجماعة إخضاعها بالقوة.
اعتقالات واسعة إلى جانب الاستنفار والتحريض، شنت الجماعة الحوثية خلال الأيام الماضية حملة اعتقالات طالت عشرات المدنيين والناشطين في صنعاء ومحافظات اب ودمار وتعل بينهم إعلاميون وأعضاء في حزب المؤتمر..
ووفق المصادر، تهدف هذه الاعتقالات إلى كسر أي محاولة للتجمع أو الاحتجاج بالتزامن مع المناسبات الوطنية التي عادة ما يستغلها اليمنيون التعبير عن رفضهم السياسات الجماعة القمعية.
ويقول ناشط سياسي من صنعاء إن الحوثيين يعيشون حالة ذعر حقيقية.. لذلك يحاولون زرع الخوف عبر الاعتقالات والاستنفار العسكري، لكن هذا لن يمنع تزايد الغضب الشعبي.
وكان وزير الإعلام اليمني معمر الإرياني قد انهم، في تصريحات سابقة، جماعة الحوثي بـ الاستمرار في قمع كوادر المؤتمر الشعبي ) .. مؤكداً أن الجماعة تحتجز العشرات منهم في سجونها. ودعا الوزير إلى توحيد الجهود الوطنية والدولية للضغط على الحوثيين لوقف انتهاكاتهم....
ویری مراقبون يمنيون أن استنفار الحوثيين يكشف عن حجم القلق الذي يسيطر عليهم من أي تحرك جماهيري قد يتطور إلى انتفاضة واسعة. كما يعكس فشلهم في كسب ولاء الشارع اليمني رغم محاولاتهم توظيف القضية الفلسطينية ذريعة الشرعية سياساتهم القمعية.
ويؤكد المراقبون الشأن اليمني أن الجماعة تدرك أن مناسبات مثل ذكرى تأسیس المؤتمر أو ثورة 26 سبتمبر تحمل رمزية كبيرة لدى اليمنيين إذ تذكرهم بتاريخ النضال ضد الحكم الإمامي الذي يمثل الحوثيون امتداده
وفي ظل تدهور الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، واستمرار سياسات القمع والتجنيد القسري، يرجح محللون أن تكون حالة الاستنفار الحوثية مؤشرا على ضعف داخلي أكثر منها دليلاً على قوة، وأن الجماعة تخوض سباقاً مع الزمن لاحتواء أي انتفاضة شعبية قد تهدد سلطتها.