آخر تحديث :الخميس - 18 ديسمبر 2025 - 07:35 م

التنمية المستدامة في الجنوب بوصفها شرطًا للاستقرار الاجتماعي

الخميس - 18 ديسمبر 2025 - الساعة 05:49 م

صالح ابوعوذل
الكاتب: صالح ابوعوذل - ارشيف الكاتب



تكشف المتابعة الجادة لوسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي حجم المغالطات التي يتم ضخها يوميًا حول ما يجري في الجنوب، سواء على المستوى العسكري أو الأمني أو الخدمي. وأمام هذا الواقع المربك، بات من الضروري تقديم مقاربة واقعية لما تحقق على الأرض، وفهم الكيفية التي أصبحت فيها التنمية المستدامة في الجنوب ركيزة أساسية للاستقرار الاجتماعي، في ظل محاولات سياسية مستمرة لربط مصير عدن بمصير صنعاء الخاضعة لسيطرة الانقلابيين، دون وجود أي جدية حقيقية لتحرير العاصمة اليمنية منذ فبراير 2016م.

فمنذ ذلك التاريخ، حين جرى التعويل على استراتيجية لتحرير صنعاء أُنيطت بشخص علي محسن الأحمر، دخلت الجبهات في حالة جمود، وتوقف القتال، وبدأت عملية شرعنة سياسية غير معلنة للانقلاب الحوثي عبر مشاورات ودعوات وهدن من طرف واحد. وهو ما يطرح سؤالًا مشروعًا: هل يُعقل أن يظل وضع الجنوب المحرر مرتهنًا بقبول الحوثيين لتسوية سياسية جرى هندستها في الأساس على حسابه سياسيًا واقتصاديًا ومعيشيًا؟

وفي سياق الضخ الإعلامي والتغطية المستمرة لبعض المنصات الإخبارية الإقليمية، تبرز تصريحات الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، التي أدلى بها خلال جولتيه إلى الرياض ومسقط، والتي جرى توظيفها سياسيًا وتحريفها عن سياقها العام. فقد دعا غوتيريش جميع الأطراف المحلية والإقليمية إلى ضبط النفس ووقف إجراءات التصعيد، وهي رسالة واضحة، غير أن بعض الأطراف أصرت على إخراجها عن مضمونها الحقيقي أو تحميلها ما لا تحتمل.

ويُعاد اليوم إنتاج سردية مغلوطة لموقف الأمين العام، تُقدَّم وكأنها مواجهة معلنة ضد الجنوب، في وقتٍ يخوض فيه هذا البلد منذ تحريره في منتصف يوليو 2015م معركة مختلفة: معركة تثبيت الاستقرار وبناء مقومات التنمية المستدامة بوصفها الأساس الحقيقي للأمن المجتمعي. فربط القضايا المعيشية، والخدمات الأساسية، والصحة، والتعليم، بصراعات سياسية واستخدامها كأدوات ضغط وابتزاز، لا يهدد مشروع التنمية فحسب، بل ينسف أسس الاستقرار الاجتماعي من جذورها.

إن دعوة الأمين العام للأمم المتحدة إلى وقف التصعيد وضبط النفس قوبلت بمكابرة من بعض القوى اليمنية والإقليمية، وهو أمر لم يعد خافيًا على أحد. وما جرى منذ بداية ديسمبر لا يمكن فصله عن هذا السياق، إذ كان إجراءً أمنيًا حقيقيًا تأخر كثيرًا، خاصة في حضرموت، التي عانت واديها وصحراؤها اختلالات أمنية عميقة وتصاعدًا مستمرًا في أحداث العنف.

وقد حاول ممثل حضرموت في مجلس القيادة الرئاسي اللواء فرج سالمين البحسني الدفع نحو معالجات خدمية وأمنية وتنموية، إلا أن الخيارات المتاحة منذ اتفاق الرياض الأول في نوفمبر 2019، والتي تركزت على بند نقل القوات من المدن إلى جبهات القتال ضد الحوثيين، جرى الإخلال بها منذ اليوم الأول، رغم وضوح موقف التحالف العربي الذي أكد، على لسان متحدثه الرسمي، أن تلك القوات لا تأتمر بأمر وزير الدفاع.

وفي محاولة لاحتواء الأزمة، طُرحت حلول مؤقتة تمثلت في إقالة أركان حرب المنطقة العسكرية الأولى يحيى أبو عوجا وتعيين العقيد الركن عامر بن حطيان بديلًا عنه في أواخر عام 2022، وهي قرارات اعتبرها كثيرون التفافًا على مطالب الهبة الحضرمية بإخراج قوات المنطقة الأولى كاملة من حضرموت. وقد خرجت احتجاجات متكررة في وادي حضرموت دون أن تجد استجابة، ما أبقى حالة الاحتقان قائمة.

ترافقت هذه الاختلالات مع أزمات خدمية ومعيشية خانقة، تصدّرت عناوين الصحف منذ إيقاف تصدير النفط من ميناء الضبة في حادثة ما تزال ملابساتها غامضة، رغم تبني الحوثيين المزعوم لها. ولم تقتصر الأزمة على عدن أو حضرموت، بل امتدت إلى مختلف محافظات الجنوب المحررة، في واحدة من أبشع الحروب المدارة، حيث استُخدمت المرتبات والكهرباء والخدمات كسلاح ممنهج.

ورغم الرسائل الدولية، بما فيها الأمريكية وأطراف في الرباعية، الداعية إلى تغيير الواقع الاقتصادي وضمان استقرار الجنوب في ظل التصعيد الحوثي في البحر الأحمر وباب المندب، اصطدمت الإجراءات الإصلاحية باعتراضات إقليمية وتمرد داخلي، تجلّى في رفض توريد الموارد إلى البنك المركزي في عدن، ما أفرغ أي معالجات اقتصادية من مضمونها.

وأمام هذا الواقع، بات التحرك ضرورة إنسانية وأخلاقية لحماية المكتسبات الوطنية والعسكرية، وإعادة استئناف تصدير النفط، وتوحيد الوعاء المالي، وتأمين الحد الأدنى من متطلبات الحياة الكريمة للناس. وهو ما يجب أن يستوعبه الإقليم والعالم: أن الحلول ستظل ناقصة ما لم تكن على مستوى طموح هذا الشعب، وأن الجنوب لن يقبل البقاء رهينة لمشاريع سياسية فاشلة أنتجت الفوضى والإرهاب على مدى ثلاثة عقود.

وخلاصة الخلاصة، فإن استقرار الجنوب لن يتحقق إلا باستعادة دولته، بوصفها الخيار الواقعي الوحيد المتاح اليوم، ليس فقط لمصلحة شعبه، بل كحل أقل كلفة وأكثر استدامة لأزمة باتت تمس أمن الإقليم والعالم، كما أثبتت فوضى البحر الأحمر وباب المندب.




شاهد أيضًا

من تأمين الجنوب إلى طرق أبواب صنعاء.. الرئيس الزُبيدي يرسم خ ...

الخميس/18/ديسمبر/2025 - 05:56 م

جدّد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، القائد الأعلى للقوات المسلحة الجنوبية، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، التأكيد


الرئيس الزُبيدي من الجهاز المركزي للإحصاء: الدولة الحديثة تُ ...

الخميس/18/ديسمبر/2025 - 04:21 م

تفقد الرئيس القائد عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، نائب رئيس مجلس القيادة الرئاسي، اليوم الخميس، سير العمل بالجهاز المركزي للإحصا


الرئاسة المصرية: نحتفظ بحقنا في اتخاذ ما يلزم بالسودان وفقا ...

الخميس/18/ديسمبر/2025 - 04:19 م

الرئاسة المصرية: نحتفظ بحقنا في اتخاذ ما يلزم بالسودان وفقا لاتفاقية الدفاع المشترك


الحكومة الفنزويلية تصدر أوامر للبحرية الحربية.. عاجل ...

الخميس/18/ديسمبر/2025 - 07:00 ص

أفادت مصادر مطلعة لصحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، الأربعاء، بأن الحكومة الفنزويلية أمرت السفن الحربية بمرافقة ناقلات النفط لحمايتها من الق