في ظل موجة حر خانقة وندرة حادة في المياه، يجد سكان قطاع غزة انفسهم مضطرين إلى شرب مياه ملوثة، رغم معرفتهم المسبقة بخطورتها الصحية، في محاولة بائسة لتلبية احتياجاتهم الأساسية وسط انهيار شبه كامل للبنية التحتية جراء الحرب التي تشنها إسرائيل على القطاع المحاصر
ونقلت وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية في تقرير السيت شهادات من داخل القطاع. الفلسطيني الذي تعرضت معظم بنيته التحتية للتدمير جراء الضربات الإسرائيلية التي بدأت منذ السابع من أكتوبر 2023 ولا تزال مستمرة.
وقالت رنا عودة، وهي نازحة من خان يونس تقيم في خيمة بمخيم المواصي وسط غزة. إنها تستيقظ باكراً لتقف في طابور تحت شمس أغسطس الحارقة لمدة ساعة تقريباً. فقط للحصول على جالون (3.78 لتر) من الماء العكر ويمجرد عودتها إلى خيمتها. تبدأ بتوزيع المياه على طفليها الصغيرين يحذر مدركة من لونه وحده أنه على الأرجحملوث، لكنها تضطر إلى استخدامه بسبب شدة العطش.
وأضافت عودة: الجبر على إعطائه لأطفالنا لأنه لا يوجد بديل، إنه يسبب لنا ولأطفالنا الأمراض.
وبحسب الوكالة، أصبحت مثل هذه المشاهد جزءاً من الروتين القاسي في مخيم المواصي، أحد أكبر تجمعات النازحين في غزة، حيث يعيش مئات الآلاف في ظروف صيفية قاسية، إذ يركض الأهالي والأطفال خلف شاحنات المياه التي تصل كل يومين أو 3 حاملين زجاجات وأسطوانات، وغالباً ما يستخدمون عربات تجزها الحمير لنقلها إلى خيامهم.
كما يجري تقنين كل قطرة مياه للشرب. أو الطهي، أو التنظيف، أو الغسيل، فيما تعيد بعض العائلات استخدام المياه قدر المستطاع، وتحتفظ بما تبقى منها في عبوات لجفاف اليوم التالي.
وفي حال تأخرت شاحنات المياه، تقول عودة إنها تضطر مع ابنها إلى تعبئة الزجاجات من مياه البحر
ومنذ قرابة 22 شهراً، ومع بدء الحرب الإسرائيلية على غزة، بات الوصول إلى المياه أكثر صعوبة. فقد أعاقت القيود المفروضة على دخول الوقود، وانقطاع الكهرباء، تشغيل محطات تحلية المياه. فيما دمرت الضربات الإسرائيلية أجزاء من البنية التحتية وخطوط الأنابيب، ما أدى إلى تراجع كبير في كميات المياه الموزعة.
وأشارت منظمات الإغاثة وشركة المرافق المحلية، إلى أن المياه الجوفية تلوثت بمياد الصرف الصحي وركام المباني التي تعرضت للقصف، فيما أصبحت معظم الآبار إما مدمرة أو غير قابلة للوصول. آلاف المرضى أسبوعياً
وفي خضم ذلك، ساهمت أزمة المياه في تفشي الأمراض، بالتوازي مع تصاعد المجاعة في القطاع، وقالت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، الخميس، إن مراكزها الصحية تستقبل حالياً نحو 10 آلاف و 300 مريض أسبوعياً، معظمهم مصابون بأمراض معدية ناتجة عن تلوث المياه، وفي مقدمتها الإسهال.
وقالت بشرى الخالدي، مسؤولة في منظمة Oxfam غير الحكومية، التي تعمل في غزة، إن قلة من السكان لا تزال تمتلك خزانات مياه على الأسطح، لكنهم عاجزون عن تنظيفها، ما يجعل المياه الخارجة من الصنابير صفراء اللون وغير آمنة
وأشارت "أسوشيتد برس" إلى أن سكان غزة، البالغ عددهم أكثر من مليوني نسمة. كانوا يعتمدون البل الحرب على مصادر متنوعة للمياه، منها محطات التحلية، وآبار
مالحة نسبياً، إلى جانب المياه المعبأة، إلا أن جميع هذه المصادر باتت اليوم مهددة.
وبات السكان يعتمدون بشكل أساسي على المياه الجوفية، التي أصبحت تشكل أكثر من نصف إمدادات غزة، رغم أنها كانت الستخدم سابقاً فقط للتنظيف والاستحمام والزراعة، وفقاً لمسؤولي المياه الفلسطينيين ومنظمات الإغاثة، أما اليوم، فقد أصبحالسكان مضطرين إلى شربها.
وقال مارك زيتون المدير العام لمركز جنيف إن تأثير ،)Geneva Water (Hub( للمياه شرب المياه غير النظيفة لا يظهر دائماً فوراً. لكنه قد يخلف أمراضاً خطيرة.
وأضاف زيتون: "عندما تختلط مياه الشرب بمياه الصرف الصحي غير المعالجة وتستخدم في الشرب أو غسل الطعام، فأنت تتناول الميكروبات وقد الصاب بالدوسنتاريا التهاب معوي يصيب القولون بشكل أساسي نتيجة عدوى بكتيرية أو طفيلية). وإذا اضطررت إلى شرب مياه مالحة أو مائلة للملوحة، فإنها تدمر الكلى وقد تقودك إلى غسيل الكلى لعقود.
وبحسب منظمات الإغاثة، فإن حصة الفرد اليومية من المياه لا تتجاوز حاليا 3 لترات. أي أقل بكثير من الحد الأدنى الإنساني الموصى به وهو 15 لترأ للشرب والطهي والنظافة الأساسية.
وذكرت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) أن حالات الإسهال الحاد شكلت أقل من 20% من الأمراض المسجلة في القطاع خلال فبراير الماضي، لكنها ارتفعت إلى %44% بحلول يوليو، ما يرفع خطر الإصابة بالجفاف الحاد.
وأكدت المنظمة أن جودة المياه تدهورت بسبب اختلاطها بالصرف الصحي، وركام المباني، وبقايا الذخائر كما أدى نقص. الوقود إلى إبطاء عمل المضخات وشاحنات نقل المياه، أما محطنا التحلية المتبقيتان فتعملان بطاقة متدنية جداً، أو تتوقفان عن
العمل في بعض الأحيان، حسب ما أكدته منظمات الإغاثة ومسؤولون
وفي مخيم المواصي، لا تزال طوابير المياه مشهداً متكرراً مع كل زيارة الشاحنات الإغاثة.
وقال حسني شاهين، وهو نازح من خان يونس: الماء الذي تشربه أصبح خيارنا الأخير، لكنه يسبب آلاما في المعدة للكبار والأطفال بلا استثناء … لا تشعر بالأمان حين يشربه أطفالنا.