وسط اشتعال خطوط التماس الإقليمية من الخليج العربي إلى شواطئ المتوسط، يعيش الجنوب اليمني لحظة استثنائية من التأهب الصامت.. التصعيد العسكري بين الولايات المتحدة وإسرائيل من جهة، وإيران ووكلائها من جهة أخرى، يفرض واقعًا جيوسياسيًا جديدًا تُعاد فيه صياغة موازين القوة ومراكز النفوذ.
في ضوء هذه التطورات، تزداد أهمية السؤال الذي طرحه الزميل يعقوب السفياني في مقاله المنشور مؤخرًا تابعته "العين الثالثة": "هل نحن في الجنوب مستعدون لنكون طرفًا فاعلًا في المعادلة، أم مجرّد متلقّين لنتائج صراعات تتجاوزنا؟"
خريطة المواجهة تتسع.. واليمن ليست على الهامش
الضربات الجوية الأميركية التي استهدفت مواقع إيرانية حساسة، وفق تحليل "العين الثالثة"، لم تكن مجرد ردود فعل آنية، بل تحمل رسائل استراتيجية متعددة. ووفق ما أشار إليه الكاتب السفياني، فإن هذه الهجمات أعادت للأذهان مرحلة ما قبل الاتفاق النووي، في ظل عودة العقلية "الترامبية" التي تقوم على فرض السلام من خلال الهيمنة العسكرية.
في هذه الأجواء، تعود خريطة الوكلاء إلى الواجهة، حيث يلعب الحوثيون دور رأس الحربة في تنفيذ استراتيجية الرد غير المباشر لطهران. وبحسب السفياني، فإن اليمن – وتحديدًا الجنوب – قد يكون ساحة اختبار عملية لهذا الصراع الإقليمي، نظرًا لموقعه الاستراتيجي وارتباطه التاريخي بجبهات المواجهة.
الجنوب والمجلس الانتقالي.. من رد الفعل إلى صناعة الدور
من المؤكد أن المجلس الانتقالي الجنوبي بات اليوم مطالبًا بأكثر من المواقف الرمزية. ففي مواجهة التحديات القادمة، كما ورد في مقال السفياني، يبرز ما يلي:
-
احتمالية استهداف البنى التحتية والموانئ الجنوبية كجزء من لعبة كسر الإرادات.
-
إمكانية تفجير جبهات ثانوية في الضالع أو لحج كأوراق ضغط يتم تفعيلها حسب الحاجة الإقليمية.
-
مخاطر الابتزاز السياسي عبر عروض حماية إقليمية مقابل تنازلات جنوبية في ملفات مصيرية.
وهنا، يبرز سؤال محوري: كيف يُمكن للجنوب أن يبقى قويًا وآمنًا في ظل هذه التحولات، دون أن يخسر استقلالية قراره أو عمق قضيته؟
العلاقة الحوثية-الإيرانية.. من التحليل إلى التوثيق
لم تعد علاقة الحوثيين بإيران محل اجتهاد أو نقاش نظري. بل، وكما تؤكد "العين الثالثة"، باتت العلاقة عضوية تمتد من خطوط التسليح إلى غرف العمليات والتخطيط الإعلامي.. ويعني هذا أن أي مواجهة إقليمية، ستجد للحوثيين فيها موقعًا تلقائيًا، وهو ما يضع الجنوب في مرمى نيران لا علاقة له بإشعالها، لكنه معني تمامًا بتداعياتها.
في هذا السياق، يوضح السفياني بأن التهديد الحوثي للجنوب ليس مجرد مشكلة محلية، بل امتداد لمعركة إقليمية كبرى، ويستوجب مواجهته بعقلية مختلفة، تتجاوز منطق التعامل الأمني التقليدي إلى بناء شراكات دولية فاعلة.
خيارات الجنوب.. الواقعية أم العزلة؟
في مرحلة إعادة رسم التوازنات، تبدو الواقعية السياسية أداة للبقاء، لا تعبيرًا عن الضعف. وهذا ما يُفترض أن تتبناه القيادات الجنوبية في تعاملها مع الحلفاء والشركاء الدوليين، فالتجربة علمتنا أن التحالفات الثابتة لا تُبنى على العواطف، بل على المصالح المشتركة والوضوح في المواقف. وأي تذبذب في الرؤية الجنوبية تجاه ما يحدث إقليميًا سيجعل منها منطقة رخوة، يسهل اختراقها سياسيًا أو عسكريًا.
ووفق ما تخلص إليه "العين الثالثة"، فإن الجنوب بحاجة ماسة إلى:
-
تعزيز قدراته الاستخباراتية والأمنية.
-
بناء خطاب سياسي متزن يستوعب المتغيرات الدولية.
-
دخول تحالفات واضحة ومباشرة تضعه في قلب القرار الإقليمي، لا على هامشه.
الجنوب ليس عابرًا في مشهد الصراع
الرسالة التي تختتم بها "العين الثالثة" ومقال الزميل "يعقوب السفياني"، أن الجنوب ليس كيانًا طارئًا أو حالة معزولة، إنه طرفٌ فاعل بقوة الجغرافيا، وتجذر الهوية، ووضوح المشروع، ولأجل أن يبقى كذلك، لا بد من الانتقال من موقع رد الفعل إلى التخطيط الاستباقي، ومن دور المتأثر إلى دور المؤثر.
اللحظة الإقليمية الراهنة لا ترحم الضعفاء ولا تُبقي المترددين، ومن أراد أن يصنع مستقبله، عليه أن يمتلك أدواته... وقراءته الواضحة لتحولات اللحظة.