أثارت وثيقة متداولة، منسوبة إلى الشركة اليمنية للاستثمارات النفطية والمعدنية (وايكم)، موجة استنكار وغضب في الأوساط السياسية والاقتصادية، على خلفية ما تضمنته من معلومات حول إسناد تشغيل القطاع (5) النفطي بمحافظة شبوة لشركة جنة هنت، في قرار وُصف بأنه "طعنة في ظهر السيادة الوطنية وتكريس لهيمنة الفساد".
وبحسب الوثيقة المؤرخة في 7 مايو 2025، والموقعة من القائم بأعمال المدير التنفيذي للشركة هاني العشلة، فقد وافقت "وايكم" على تفويض شركة جنة هنت بإدارة القطاع الحيوي، متجاهلة تمامًا وجود شركة بترومسيلة الوطنية التي كانت تتولى تشغيله سابقًا، وهو ما اعتبره مراقبون خضوعًا مريبًا لتأثيرات خارج نطاق القانون، وتفريطًا بمقدرات الدولة لصالح جهات نافذة.
مواقف متقلبة.. وغموض في الخلفية
اللافت في المشهد هو التناقض الصارخ بين موقف إدارة "وايكم" الحالي، وبين موقفها السابق الوارد في وثيقة سابقة بتاريخ 16 مارس 2025، حيث أبدت الشركة آنذاك اعتراضًا قاطعًا على تدخل شركة جنة هنت، مشيرة إلى عدم مشروعيتها ورفضها لأي دور لها في القطاع (5).
هذا التغيير المفاجئ في الموقف دفع بالعديد إلى التساؤل عن دوافع التحول، وسط تقارير تتحدث عن ضغوط مورست من جهات عليا في السلطة، أبرزها رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي وأبناؤه.
اتهامات تطال نجل العليمي
مصادر مطلعة أكدت أن نجل العليمي يقود ما وصف بـ"اللوبي النفطي"، الذي يسعى لإزاحة بترومسيلة الوطنية وإحلال شركة جنة هنت كغطاء قانوني لمصالح متشابكة.
ووفقًا للمصادر، فإن تحركات هذا اللوبي لا تهدف فقط إلى استحواذ اقتصادي، بل تشكل تهديدًا مباشرًا للنزاهة والشفافية في قطاع النفط، الذي يعد من أهم أعمدة الاقتصاد الوطني.
وتشير ذات المصادر إلى أن الشركة المستفيدة، أي "جنة هنت"، لا تملك سجلاً تجاريًا معتمدًا، ولا توجد لها أصول تشغيلية فعلية، بل ولم تمارس أي أنشطة نفطية فاعلة منذ سنوات، ما يجعل من تعيينها لتشغيل القطاع النفطي صفقة مثيرة للشبهات ومفتقرة للحد الأدنى من المبررات الفنية والقانونية.
قرارات حكومية تُنتهك.. وأسماء تعود للواجهة
الأكثر غرابة، كما يرى محللون، هو استمرار "وايكم" في التعامل مع المدعو عادل الحمادي كممثل عنها، رغم صدور قرار رسمي من رئاسة الحكومة بإقالته مطلع العام الجاري. ويبدو أن قرارات السلطة التنفيذية لا تجد من يلتزم بها حين تتعارض مع مصالح "النافذين"، ما يعكس هشاشة البيئة المؤسسية في القطاع.
وفي حين تحاول شركة جنة هنت أن تربط اسمها بشركة "هنت" الأمريكية التي عملت سابقًا في اليمن، يكشف المتخصصون أن هذه المقارنة مضللة، فالشركة الحالية مرت بسلسلة من التنازلات والبيع المتكرر لحقوقها، بدءًا من "هنت" إلى "كويت إنرجي"، ثم "يونايتد إنرجي" الصينية، وأخيرًا إلى "ويل تيك"، ما يعني أن "جنة هنت" الحالية مجرد غلاف جديد فارغ من المضمون.
الجنوب يُستنزف.. وعدن تختنق
وفي الوقت الذي تغرق فيه العاصمة عدن ومعظم المحافظات المحررة في ظلام دامس، نتيجة انعدام الوقود المخصص لمحطات الكهرباء، يتواصل نزف الثروات النفطية دون حسيب أو رقيب.
ويتساءل المواطنون: كيف تستمر هذه الفوضى المنظمة في نهب الموارد، بينما يعاني الناس من العطش والجوع وغياب أبسط مقومات الحياة؟
ويخشى مراقبون أن تكون هذه الخطوة جزءًا من مشروع أوسع للهيمنة على مقدرات الجنوب، وإقصاء المؤسسات الوطنية التي أثبتت كفاءتها سابقًا، على رأسها شركة بترومسيلة، لصالح شركات "مشبوهة" وظيفتها الرئيسية تسهيل النهب تحت ستار الشراكة النفطية.
رسالة أخيرة.. ومنبهات الخطر تزداد
بات من الضروري اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إعادة النظر في طريقة إدارة الثروات الوطنية، خصوصًا في القطاعات الاستراتيجية كقطاع النفط، فالإصرار على تغييب الشفافية، وشرعنة التحايل عبر شركات وهمية، هو تدمير ممنهج لمستقبل البلاد واقتصادها.
تظل الحقيقة الأهم هي أن الشعب لم يعد يصدق الوعود، بل يراقب الأفعال، ويرى بعينه كيف يُسلّم النفط، شريان الحياة، إلى أطراف غير معلومة، بينما هو يرزح تحت العتمة والقهر والفقر.