كشفت وكالة رويترز في تحقيق موسع، أن نظام بشار الأسد قام بين عامي 2019 و2021 بنقل آلاف الجثث من مقبرة جماعية قرب مدينة القطيفة شمالي دمشق، إلى موقع صحراوي سري، في محاولة لإخفاء الأدلة على عمليات الإعدام الجماعي التي ارتكبتها قواته خلال سنوات الحرب.
وبحسب التحقيق، الذي استند إلى شهادات ضباط سابقين في الجيش السوري وصور أقمار صناعية وتحليلات ميدانية، فإن عملية النقل تمت بشكل سري ومنظم تحت إشراف وحدات عسكرية وأمنية مرتبطة مباشرة بالقصر الجمهوري.
وأوضح أحد الضباط المنشقين المشاركين سابقاً في تلك العمليات، أن شاحنات عسكرية مغلقة كانت تنقل الجثث بشكل أسبوعي تقريباً من المقبرة الجماعية في القطيفة إلى موقع رملي معزول في البادية السورية، حيث تم دفنها في حفر عميقة أُعدّت مسبقاً دون أي علامات أو إشارات تدل على هوية المدفونين.
وأشار التحقيق إلى أن الهدف من هذه العمليات كان طمس معالم الجرائم التي ارتكبها النظام في السجون والمعتقلات، خاصة في سجن صيدنايا سيئ السمعة، وفي المناطق التي شهدت حملات عسكرية دامية بعد عام 2012.
وأظهرت صور الأقمار الصناعية التي حللتها رويترز أن الموقع الجديد شهد نشاطاً لافتاً في تلك الفترة، من أعمال حفر وتجريف، ثم تسوية للأرض، ما يشير إلى محاولات متعمدة لإخفاء آثار المقابر.
من جانبها، أكدت رابطة عائلات قيصر والمفقودين في سوريا أن ما كشفه التحقيق يتقاطع مع شهادات جمعتها من سكان المنطقة، والذين تحدثوا عن تحركات ليلية مشبوهة لقوافل عسكرية باتجاه الصحراء خلال تلك السنوات.
وقالت الرابطة إن المقبرة الجماعية في القطيفة كانت تحتوي على آلاف الجثث لمعتقلين قضوا تحت التعذيب أو أُعدموا ميدانياً، وإن النظام نقلها إلى مواقع سرية بهدف منع أي تحقيق دولي مستقبلي حول جرائم الحرب والانتهاكات ضد الإنسانية.
ويُقدر عدد المفقودين في سوريا منذ عام 2011 بأكثر من 160 ألف شخص، بحسب منظمات حقوقية دولية، بينما لا يزال مصير الغالبية العظمى منهم مجهولاً حتى اليوم.
وفي وقت سابق من عام 2025، أصدر رئيس الحكومة السورية في المرحلة الانتقالية، حمد الشرع، مرسوماً بإنشاء الهيئة الوطنية للمفقودين والمقابر الجماعية، برئاسة محمد رضى جلطي، بهدف توثيق المقابر السرية وكشف مصير المفقودين.
لكن منظمات حقوق الإنسان حذرت من أن جهود الكشف عن الحقيقة لا تزال تواجه تحديات قانونية وأمنية كبيرة في ظل سيطرة النظام على معظم المناطق التي يُعتقد أنها تحتوي على مقابر جماعية.