آخر تحديث :الأحد - 07 ديسمبر 2025 - 11:17 ص

الدولة فوق الحزب.. ولا عباءة تعلو على الشعب

الأربعاء - 27 أغسطس 2025 - الساعة 10:25 م

جسار مكاوي
الكاتب: جسار مكاوي - ارشيف الكاتب



أخطر ما يهدد أي وطن أن تتحول الأحزاب السياسية إلى بديل عن الدولة، وأن يظن قادتها وأتباعها أنهم أصحاب القرار والسيادة. وهذه ليست أزمة طارئة ولا مرتبطة بكيان سياسي واحد بعينه، بل هي ممارسة قديمة تكررت في شمال البلاد وجنوبها، قبل الوحدة وبعدها، وتركت في جسد الوطن جروحًا غائرة ما زالت تنزف حتى اليوم. لقد اعتادت الأحزاب عندنا أن تتعامل وكأنها هي الدولة نفسها، بمؤسساتها وإيراداتها وقرارها. والحقيقة أن أي حزب أو مكون سياسي – مهما بلغ حجمه أو كثُر أنصاره – لا يملك هذا الحق، ولا يجوز أن يحل محل الدولة. فالدولة كيان سيادي جامع، بينما الحزب مجرد أداة للتعبير السياسي والتنافس المشروع، لا أكثر.

المأساة أن هذه الأحزاب، بمختلف مسمياتها، ارتدت عباءات متورمة بأفعالها، ونصّبت نفسها بديلًا دائمًا عن الشعب. وبدل أن تُسهم في بناء دولة حديثة، انشغلت بالصراع على السلطة، وزرعت الانقسامات، ورسخت الزعامات الفردية التي رفعت شعار: "من بعدنا الطوفان". وبذلك تحولت من أطر سياسية يُفترض أن تخدم الناس، إلى منظومات أشبه بالمافيا، تحمي مصالحها أكثر مما تحمي الوطن.

إن هذا النقد لا يُوجه إلى حزب بعينه، وإنما إلى التجربة الحزبية برمتها، شمالًا وجنوبًا، قبل الوحدة وبعدها. فجميعها ساهمت – بدرجات متفاوتة – في تغييب الدولة الحقيقية لصالح كيان حزبي ضيق، ودفعت الشعب إلى دفع ثمن باهظ من حريته وكرامته واستقراره. ولعل من المناسب التذكير هنا بالقاعدة الدستورية المستقرة: "الشعب مصدر السلطات، ومالك السيادة، يمارسها بشكل مباشر أو عبر مؤسساته الشرعية". أي أن الشرعية تنبع من الشعب وحده، لا من حزب أو زعيم أو قوة سياسية، وهذا ما يجب أن يكون البوصلة لأي مشروع وطني. ولكي لا يظل هذا الحديث مجرد نقد، لابد من تحويله إلى وعي عملي يفتح طريق التغيير. ويبدأ ذلك أولًا بترسيخ قناعة راسخة لدى الناس بأن الدولة ملك للشعب وحده، وأن الحزب مجرد وسيلة سياسية مؤقتة، يمكن استبدالها أو تجاوزها متى انحرفت عن مسارها. ثم يأتي تعزيز ثقافة المساءلة، بحيث لا مكان لزعامة فردية مطلقة أو قداسة حزبية تعلو على القانون، فكل قيادة سياسية يجب أن تخضع لرقابة المجتمع ومحاسبته. كما أن من الضروري الفصل الواضح بين العمل الحزبي وإدارة الدولة، بحيث تُدار المؤسسات العامة بكفاءة ومهنية بعيدًا عن الولاءات الضيقة، مع تشجيع جيل جديد من القيادات الواعية، عبر التعليم والتأهيل السياسي، لفتح المجال أمام الشباب والطاقات النزيهة التي لم تتلوث بعباءات الماضي.

إن الطريق نحو الخلاص لا يكمن في إعادة إنتاج تلك الأحزاب ولا في شعاراتها الوطنية المزيفة، بل في إحداث نقلة نوعية في وعينا الجمعي. فالدولة يجب أن تبقى فوق الحزب، والشعب هو مصدر الشرعية والسيادة، ولا عباءة تعلو عليه. وما لم نحرر أنفسنا من أسر الحزبية العمياء، فلن نبني وطنًا معافى ولا دولة تستحقها أجيالنا القادمة.




شاهد أيضًا

عاجل | بنيهم سياح.. عشرات القتلى والجرحى جراء حريق بملهى ليل ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 06:30 ص

قتل 23 شخصا على الأقل باندلاع حريق في ملهى ليلي شهير في مدينة غوا السياحية الهندية، وفق ما أعلن رئيس وزراء ولاية غوا برامود ساوانت، ومسؤولون آخرون، في


تقارير: ليفربول يحدد مدربًا مؤقتا لخلافة سلوت.. ومرشح دائم م ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 06:00 ص

يواجه المدير الفني لفريق ليفربول، آرني سلوت، غموضًا قويًا فيما يخص مستقبله في "الأنفيلد" في ظل النتائج السيئة للنادي تحت قيادته في الموسم ال


السعوديه .. التدريب عن بعد.. تعليق الدراسة بـ5 كليات تقنية ف ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 05:30 ص

أعلن التدريب التقني والمهني بمنطقة المدينة المنورة، بناءً على ما ورد من المركز الوطني للأرصاد وحرصًا على سلامة المتدربين والمتدربات عن تحويل التدريب ا


عاجل | مصر .. «الإدارية العليا» تنظر 300 طعن على نتيجة المرح ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 05:00 ص

تنظر المحكمة الإدارية العليا، بمجلس الدولة المصرية اليوم الاحد، الطعون المقدمة على نتيجة المرحلة الثانية من انتخابات مجلس النواب وذلك بعد موجة غير مسب