آخر تحديث :الإثنين - 08 ديسمبر 2025 - 12:50 ص

تعويم الحوثيين.. الخطيئة القادمة في السياسة الأمريكية

الثلاثاء - 25 مارس 2025 - الساعة 02:27 م

هاني سالم مسهور
الكاتب: هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب




​التعامل مع جماعة الحوثي عسكريا بالطريقة الترامبية، يضعنا أمام لوحة متكررة من السياسات الأميركية العمياء، التي تبدأ بهجوم تكتيكي محدود ثم تنتهي بخلق واقع إستراتيجي كارثي على الأرض، لقد رأينا هذا السيناريو يُعاد حرفيا مرات متكررة منذ الأفغان العرب في ثمانينات القرن العشرين ومرورا بحركة طالبان في أفغانستان، ومع هيئة تحرير الشام بقيادة الجولاني في سوريا. واليوم، نكاد نلمس خيوط التكرار ذاتها في اليمن.

الولايات المتحدة، التي صنفت جماعة الحوثي مجددا كجماعة إرهابية أجنبية، تخوض ضربات جوية لا تحمل في طياتها رؤية واضحة، ولا تتكئ على إستراتيجية إقليمية شاملة، إنها عمليات عسكرية تدّعي الردع، لكنها في واقع الأمر تعيد إنتاج نفس الأخطاء: القصف من الجو، دون حاضنة برية، ودون تنسيق إقليمي يُمكّن هذه العمليات من إحداث تغيير حقيقي في موازين القوى.

هكذا يبدو الأمر، وكأن الغاية الوحيدة هي “تأديب” الحوثيين وليس اجتثاثهم، وهذا يعيد إلى الأذهان “حرب الإزعاج” التي خاضتها الولايات المتحدة ضد تنظيم داعش في سنواته الأولى، قبل أن تتدارك الموقف لاحقا بتشكيل تحالف دولي واسع دعمته بمشاركة فاعلة للقوات المحلية، الأمر الذي غيّر المشهد بالكامل.

في اليمن، التجربة تقول لنا شيئا واضحا: كل مواجهة برية خاضتها القوات الجنوبية ضد الحوثيين كانت ناجحة، في 2015، حين اجتاح الحوثيون عدن وكانوا مدعومين آنذاك بقوات الرئيس السابق علي عبدالله صالح، تدخلت دولة الإمارات العربية المتحدة ودعمت المقاومة الجنوبية في معركة شرسة انتهت بطرد الحوثيين، لاحقا، كررت الإمارات دعمها في عملية تحرير الساحل الغربي، حيث قاتلت قوات العمالقة الجنوبية حتى وصلت إلى وسط مدينة الحديدة، لولا أن الحكومة اليمنية، التي كانت ولا تزال مرتهنة لجماعة الإخوان، رضخت للضغوط الدولية ووقعت اتفاق ستوكهولم الذي أوقف الزحف.

هذه الوقائع ليست تفاصيل ثانوية، بل دروس ميدانية تؤكد أن العمل مع شريك محلي يمتلك الإرادة والقدرة والرؤية هو الضمانة الحقيقية لأيّ إستراتيجية عسكرية ناجحة، أما أن تواصل واشنطن شن غارات جوية على مواقع الحوثيين في صنعاء وصعدة والحديدة وغيرها من المناطق الخاضعة لهم، دون رافعة برية تمسك الأرض وتطرد الميليشيا، فهو عبث يُعيد إنتاج تجربة الفشل الأميركي في العراق وسوريا.

الأسوأ من ذلك، أن هذا العبث يشرعن وجود الحوثي ويُعيد إنتاجه كقوة أمر واقع، لا فرق بين ذلك، وبين ما حدث مع حركة طالبان التي تحولت من جماعة إرهابية مطاردة إلى حكومة شرعية معترف بها، بعد أن انسحبت أميركا وتركت فراغا لم تملأه سوى البنادق العقائدية.

وبدل أن تتعلم من أخطائها، تمضي إدارة الرئيس دونالد ترامب في الاتجاه نفسه، غير مكترثة بتداعيات تعويم جماعة دينية مسلحة، تُدار من طهران، وتتبنى خطابا طائفيا عدائيا عابرا للحدود، والأسوأ، أن هذه الغارات الأميركية تتم من خارج أي مظلة تحالف إقليمي فاعل، وكأن المطلوب أن تتكفل واشنطن بضبط الأمن في البحر الأحمر، فيما دول الجوار، وعلى رأسها السعودية ومصر، تراقب من بعيد.

هذا الانفصام الإستراتيجي لا يُعالج التهديد الحوثي بل يضاعفه، إنه يمنح الحوثيين مشروعية “الضحية” أمام حاضنتهم الشعبية، ويتيح لهم فرصة ذهبية لشد العصب الداخلي، وتوظيف القصف الأميركي كدليل على صدقيتهم القتالية، بل وربما سيفتح الباب أمام المزيد من التجنيد والتمويل، بل وحتى تأييد الشعوب العربية والإسلامية المنساقة وراء شعارات المقاومة الزائفة.

قد آن الأوان للعرب، خصوصا الدول المشاطئة للبحر الأحمر، أن يضعوا حدا لهذا العبث، لا يجوز أن تستمر أميركا في تنفيذ أجندة غامضة بلا تنسيق حقيقي مع شركائها الإقليميين. المطلوب الآن تحالف عسكري واضح المعالم، شبيه بتحالف مكافحة داعش، بقيادة أميركية ومشاركة عربية مباشرة، تسنده إستراتيجية برية تقوم بها القوات الجنوبية، باعتبارها الطرف الوحيد الذي أثبت قدرته على هزيمة الحوثيين ميدانيا.

ما لم يحدث ذلك، فسينتهي بنا المطاف إلى نسخة يمنية من طالبان تحكم شمال اليمن، تتحكم فيها إيران وتستثمرها ضد الأمن القومي العربي لعقود قادمة، إن الحوثي ليس مجرد ميليشيا، بل هو تجسيد لمشروع ديني إمامي توسعيّ ولا تخفي أدبيات الجماعة الحوثية رغبتها في التوسع داخل نطاق شبه الجزيرة العربية.

المعادلة اليوم واضحة.. إما اجتثاث الحوثي ضمن تحالف إقليمي ودولي حاسم، أو الرضوخ لواقع مفروض بالسلاح والدعاية، يُكرّس الحوثي كسلطة أمر واقع، ويمنحه منبرا سياسيا، وحصانة تفاوضية، تماما كما حدث مع الجولاني في إدلب أولا ثم ها هو يبسط سلطته على كامل التراب السوري، حيث صار شريكا في ترتيبات خفض التصعيد، بعد أن كان ملاحقا على لوائح الإرهاب.

التاريخ لا يعيد نفسه إلا حين يُصرّ الفاشلون على تكرار أخطائهم، واليوم، كل مؤشرات الساحة اليمنية تقول إن واشنطن على وشك تكرار الخطأ ذاته، ما لم يُكبح جنون الغارات بلا إستراتيجية، وما لم تُرفع اليد عن شركاء الداخل، الذين وحدهم يعرفون كيف يُهزم الحوثي، لا كيف يُدلّل.

نقلا عن "العرب اللندنية"




شاهد أيضًا

ترقّب في حضرموت.. استقالة الخنبشي تلوح في الأفق ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 08:13 م

تزايدت في الساعات الماضية المؤشرات حول اقتراب محافظ حضرموت، سالم أحمد الخنبشي، من تقديم استقالته، وفق ما أفاد به الإعلامي نبيل سعيد مطبق، الذي أكد أن


الداخلية تنفي تصريحات منسوبة للوزير حيدان وتدعو لعدم الانجرا ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 07:43 م

نفى مصدر مسؤول في مكتب وزير الداخلية اللواء الركن إبراهيم علي حيدان، صحة التصريحات المتداولة عبر شبكات التواصل الاجتماعي والمنسوبة للوزير، مؤكداً أنها


عاجل | بنيهم سياح.. عشرات القتلى والجرحى جراء حريق بملهى ليل ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 06:30 ص

قتل 23 شخصا على الأقل باندلاع حريق في ملهى ليلي شهير في مدينة غوا السياحية الهندية، وفق ما أعلن رئيس وزراء ولاية غوا برامود ساوانت، ومسؤولون آخرون، في


تقارير: ليفربول يحدد مدربًا مؤقتا لخلافة سلوت.. ومرشح دائم م ...

الأحد/07/ديسمبر/2025 - 06:00 ص

يواجه المدير الفني لفريق ليفربول، آرني سلوت، غموضًا قويًا فيما يخص مستقبله في "الأنفيلد" في ظل النتائج السيئة للنادي تحت قيادته في الموسم ال