كيف يمكن لعائلة من الجن أن تُدهش من أبسط تفاصيل الحياة اليومية: النوم ليلاً، أو الوقوع في الحب، أو جلسات الشاي مع نساء الحارة؟ تلك الأمور الاعتيادية التي تمرّ مروراً سريعاً على البشر، تتحول في المسلسل السعودي �عايشين معانا� إلى مادة كوميدية، تُذكر الجمهور بأعمال عالمية شهيرة مثل �آدمز فاميلي�، لكنها تقدم هنا في قالب محلي يعكس دهشة مخلوقات غريبة من حياة البشر، وتعيد تسليط الضوء على خصوصية التجربة الإنسانية.
المسلسل الذي يُعرض على منصة �شاهد� في 10 حلقات؛ بمعدل حلقتين أسبوعياً، تمكّن سريعاً من اعتلاء قائمة الأعمال الأكثر مشاهدة في السعودية، وتدور قصته حول عائلة من الجن يتشكلون بهيئة بشرية وينتقلون إلى العيش في مجمع سكني وسط العاصمة الرياض، بحثاً عن خاتم مفقود منذ 2000 عام يمتلكه أحد سكان المجمع، ومن هنا تبدأ سلسلة الأحداث الغريبة ما بين عوالم الإنس والجن، حيث يتفاجأ بعض السكان من تصرفات العائلة غريبة الأطوار وقدراتهم الخارقة.
يقول كاتب العمل علاء حمزة، لـ�الشرق الأوسط�، إن الفكرة انطلقت من رغبته في تقديم معالجة مختلفة لعالم الجن، ويضيف: �سبق أن كتبت مسلسلاً سعودياً بعنوان (عندما يكتمل القمر) يتطرق أيضاً لعالم الجن، لكنه كان عملاً جاداً، ثم جاءت الفكرة: لماذا لا نقدم شيئاً كوميدياً خفيفاً؟�، كاشفاً أن الجديد في �عايشين معانا� هو أن العائلة الغريبة من الجن تتشبّه بالبشر وتحاول محاكاة حياتهم، مما يفتح الباب لمفارقات كوميدية تسخر من الاختلافات وتبرز دهشة هذه الكائنات من التفاصيل البشرية.
محاكاة للدراما العالمية
يستدعي �عايشين معانا� أجواء المسلسل الأميركي الشهير �آدمز فاميلي� من حيث الثيمة العامة؛ أسرة غريبة الأطوار تعيش وسط مجتمع طبيعي، وتولّد تصرفاتها غير المألوفة كوميديا قائمة على المفارقة. وبسؤال الكاتب عن ذلك يشير إلى أن �آدمز فاميلي� لم يتناول الجن، مؤكداً أن الفكرة تنتمي إلى ثيمة معروفة عالمياً هي �القادم الغريب�، التي طُرحت في الأدب والسينما بصور مختلفة، من الأشباح إلى الغرباء القادمين من الفضاء. وأشار إلى أن المثال الأقرب قد يكون فيلم The Joneses، الذي تناول عائلة أميركية تعيش في حي راقٍ ثم يُكتشف أنها ليست عائلة حقيقية بل فريق تسويق. لكنه شدد على أن �عايشين معانا� لا يستند إلى هذا العمل أو غيره، بل يقدم معالجة سعودية لفكرة راسخة عالمياً.
القيم الإنسانية
وعن كيفية توظيف المفارقات بين حياة البشر وطبيعة الجن، أكد الكاتب أن الفكرة الأساسية للعمل هي إبراز مكانة الإنسان. مضيفاً: �العمل يقول إن البشر، بكل ما لديهم من عيوب ومحاسن، مخلوقات مكرمة. ولو وُجدت كائنات أخرى لتمنت أن تكون مثلنا�. لافتاً إلى أن النص القرآني �لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم� شكّل منطلقاً لرؤيته، ومشيراً إلى أن العمل يُظهر انبهار الجن بمشاعر الحب، وبقيم إنسانية أخرى يراها البشر عادية، لكنها في الحقيقة تمثل عظمة الخلق الإنساني.
ويلمح حمزة إلى أن كل المخلوقات لديها قوانينها الخاصة، لكن البشر تميّزوا بحق الاختيار، بعكس الملائكة أو الشيطان، قائلاً: �الإنسان هو الكائن الوحيد الذي مُنح حق الاختيار، إما شاكراً وإما كفوراً. هذه من أعظم ما ميّز الله به الإنسان�. كما بين أن المسلسل حاول إبراز هذه القيمة الجوهرية عبر مواقف متفرقة، حيث يظهر أن الإنسان مهما أخطأ تظل داخله منظومة قيمية تمنعه من تجاوز حدود الدين والأعراف.
مثير للجدل
وحول الجدل الذي أثارته بعض مشاهد المسلسل وأحدثت صدى كبيراً في منصات التواصل الاجتماعي، خاصة مشهد الفتاة �الجنيّة� التي أرادت النزول للسباحة مع الشباب، قال الكاتب: �كثير من الانتقادات جاءت من أشخاص لم يشاهدوا العمل كاملاً، بل تابعوا مقاطع مجتزأة في تطبيقات مثل (تيك توك)�. وأوضح أن المشهد لم يكن الغرض منه إثارة الجدل، بل على العكس، كان يعكس قيماً إنسانية، حيث رفض البشر في العمل هذا السلوك وعدّوه عيباً ومحرماً، وأكد أن المسلسل �منتج ترفيهي� هدفه المتعة وإضحاك الجمهور، مع الالتزام بالخطوط القيمية.
من ناحية أخرى، أوضح حمزة أن ردود الفعل التي وصلت إليه أظهرت إعجاباً بالفكرة وطرافتها، لكنه اعترف بوجود انتقادات، مشيراً إلى أن بعضها لم يكن منصفاً بسبب اجتزاء السياق. وأضاف: �نتوقع دائماً الجدل في أي عمل فني، لكن ما يهم هو أن المشاهد حين يتابع الحلقات كاملة يكتشف الرسالة الحقيقية�. كما يؤكد الكاتب أن �عايشين معانا� ليس مجرد مسلسل كوميدي، بل يحمل رسالة إنسانية واضحة، تتمثل في إبراز قيمة الإنسان ككائن مكرّم، والكوميديا جاءت كأداة لتمرير هذه الرسالة بطريقة خفيفة، عبر مفارقات سلوكية بين الجن والبشر، بحسب وصفه.
نجوم العمل
قدّم خالد صقر شخصية ثامر (أبو أنس)، رب أسرة الجن، بملامح ثابتة ومظهر رسمي لا يتغيّر، مرتدياً الثوب والشماغ طيلة الوقت، مما زاد من الطابع الكوميدي لتصرفاته، أما الممثلة عائشة كاي فأدت دور زوجته (أم أنس)، المرأة القادمة من عالم الجن والتي تنجذب تدريجياً لحياة نساء الحارة، وتحاول تقليدهن في إطار كوميدي، ورغم أن مظهر عائشة يحاكي مظهر �موريتشيا آدمز� في المسلسل الشهير �آدمز فاميلي�، فإنها قدمت أداء مختلفاً في هذا الدور.
وبرز الممثل الشاب أحمد الكعبي في شخصية �عبودي�، أول من شكّك في حقيقة العائلة، حيث جسد ملامح الذهول والارتباك والخوف بشكل متقن، وهو يحاول إقناع باقي البشر في المجمع السكني بتصرفات العائلة الغريبة، ليصبح بمثابة عين المشاهد داخل الأحداث. كما شارك في البطولة كل من فاطمة الشريف، ومهند الصالح، وجبران الجبران، وسماح زيدان، وفهد المطيري، وأغادير السعيد، ومصعب المالكي، ليشكّلوا فريق عمل جماعياً أعطى المسلسل تنوعاً في الأداء، وجذباً للمشاهد الذي ما زال ينتظر أن يكتشف البشر حقيقة عائلة الجن، في الحلقات القادمة.