في وقت تشهد فيه البلاد اضطرابات سياسية واقتصادية متصاعدة، تسربت معلومات مؤكدة تفيد بأن وزير الخارجية اليمني د. شائع الزنداني أقدم على تنفيذ موجة تعيينات داخلية وخارجية واسعة النطاق، جرت في الخفاء دون علم أو مصادقة من رئيس مجلس الوزراء سالم بن بريك، أو بقية أعضاء مجلس القيادة الرئاسي.
"العين الثالثة" تفتح الملف لتكشف عن كواليس ما يصفه مراقبون بانقلاب ناعم داخل أروقة الوزارة، الهدف منه تعزيز نفوذ مجموعة محددة وتهيئة الأرض لصيغة حكم فردي موازٍ تُدار من خلف الكواليس، بأدوات الدبلوماسية وواجهاتها.
شبكة تعيينات.. من صنعاء إلى العائلة
بحسب ما حصلت عليه "العين الثالثة" من مصادر وثيقة الصلة، فإن عدد التعيينات بلغ نحو 70 قرارًا إداريًا ودبلوماسيًا، معظمها ذهبت لشخصيات ذات صلة مباشرة أو غير مباشرة برئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، وأفراد من عائلته، إضافة إلى عناصر محسوبة على صالح المقالح، أحد أبرز المقربين من مشروع الهيمنة داخل مؤسسات الدولة.
هذه التعيينات التي أُنجزت خارج إطار الشفافية والمشروعية، تضمنت تعيينات في مناصب حساسة داخل البعثات الدبلوماسية بالخارج، وبعض المواقع الإدارية العليا في ديوان الوزارة، دون مراعاة معايير الكفاءة أو التخصص، وهو ما اعتبره موظفون في الخارجية "إعادة تدوير للمحسوبية تحت غطاء المصلحة الوطنية".
صدمة داخل الحكومة.. وتكتم رسمي
التكتم الذي رافق قرارات الزنداني كشف حالة الانفصال بين السلطات الدستورية من جهة، ومراكز النفوذ غير الرسمية من جهة أخرى.
العين الثالثة علمت أن رئيس الحكومة، الدكتور سالم بن بريك، لم يكن على علم بهذه التعيينات، إلا بعد نشرها عبر وسائط داخلية غير رسمية، وقد عبّر عدد من الوزراء عن امتعاضهم الشديد من هذه الخطوات، معتبرين أنها تشكل تعديًا مباشرًا على توازن السلطة وصلاحيات الحكومة.
هيمنة العليمي تتوسع
تحليل اتجاهات التعيينات التي رصدتها العين الثالثة، يظهر بوضوح أن هناك محاولة ممنهجة لتوسيع دائرة النفوذ العائلي والسياسي المرتبط برشاد العليمي، وخلق شبكة موازية داخل مؤسسات الدولة تتحكم فعليًا بمفاصل القرار من خلال الوجوه التي يتم زرعها في السفارات والقنصليات ودوائر القرار.
وتشير المعطيات إلى أن هذه التحركات ليست معزولة عن سياق إقليمي أوسع، حيث يسعى العليمي، بحسب مصادر سياسية، إلى بناء شبكة علاقات شخصية عبر السفراء والملحقين الجدد، لتعزيز موقفه في حال حدوث أي تغيرات قادمة في المشهد اليمني.
انعكاسات خطيرة على السلك الدبلوماسي
التعيينات الأخيرة، التي رُصد بعضها في دول عربية وغربية مؤثرة، تفتح الباب أمام انهيار الثقة الدولية بجدية الإصلاحات التي تتحدث عنها الشرعية، فالدبلوماسية لم تعد تُدار باعتبارها واجهة وطنية، بل كحصص تدار من قبل دوائر مغلقة ترتبط بأجندات غير وطنية.
أحد أعضاء السلك الدبلوماسي، فضّل عدم الكشف عن هويته، قال لـ العين الثالثة: "أصبحنا نخشى أن تُستخدم سفارات الجمهورية اليمنية كساحات لتصفية الحسابات أو محطات لمراقبة معارضي الحكم، وليس لمصالح الدولة اليمنية كما يُفترض."
ردود فعل مرتقبة.. هل ينفجر الخلاف؟
وسط هذه المعطيات، تسود حالة من الترقب داخل أوساط السياسيين في عدن، الذين ينظرون بعين الريبة إلى سلوك وزير الخارجية، وهناك دعوات غير معلنة داخل المجلس الرئاسي لمراجعة هذه التعيينات وإلغائها، وسط مخاوف من تفاقم الشرخ في جسم السلطة الهشة أساسًا.
ويرى مراقبون أن هذه التعيينات قد تكون شرارة لأزمة أكبر، خصوصًا إذا ما تحولت وزارة الخارجية إلى منصة حصرية لمصالح فئة محددة، بعيدة كل البعد عن روح الشراكة الوطنية ومبدأ الكفاءة.
إلى أين تسير وزارة الخارجية؟
ختامًا، فإن ما تكشفه العين الثالثة من معلومات يطرح سؤالاً كبيرًا أمام الحكومة والرأي العام: هل تحوّلت وزارة الخارجية من واجهة دبلوماسية للدولة إلى أداة بيد مراكز النفوذ؟ وهل بات السلك الدبلوماسي يُدار كمزرعة حزبية وعائلية؟ الإجابة عن هذه التساؤلات لم تعد ترفًا، بل ضرورة وطنية ملحّة، قبل أن تتحول الدبلوماسية اليمنية إلى جسد هشّ فاقد للشرعية والثقة، في الداخل والخارج على حد سواء.