دراسة تحليلية
تعد سلطنة عُمان من بين اللاعبين الإقليميين الذين حاولوا الحفاظ على الميليشيات الحوثية من نشأتها حتى اللحظة. فقد انتهجت سياسة حياد مستمر ظاهريًا، مركزة على إظهار نفسها كوسيط محايد ومؤثر في محاولات إيجاد تسوية سلمية. بينما العكس يثبت غير ذلك؛ فمنذ تصاعد النزاع في اليمن، تزايد دور عُمان في الوساطات السياسية المغلفة بعقيدة التقية الإباضية، حيث سعت إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع جميع الأطراف المتورطة في النزاع، بما في ذلك الحوثيين. هذا الدور العُماني كان له تأثير في تعزيز موقف الحوثيين سياسيًا وعسكريًا، ما يطرح تساؤلات حول طبيعة الدعم العُماني لهم.
تجلى الدور العُماني في الوساطة بين الحكومة اليمنية والحوثيين مبكرًا في بداية الحرب، وخاصةً خلال الحروب الستة بين عامي 2004 و2010. فقد شاركت عُمان بشكل غير مباشر في هذه الوساطات بالتنسيق مع دولة قطر، حيث كانت تسعى لضمان بقاء الحوثيين في المشهد اليمني. وقدمت نفسها كوسيط محايد بين الطرفين، وحققت بعض النجاحات في تخفيف حدة المواجهات في تلك الفترات، مما جعلها محط احترام من الحوثيين، الذين اعتبروها منفذًا للحوار والتفاوض.
في سياق الحرب المستمرة بعد عام 2015، برزت عُمان كداعم لعملية التفاوض بين الحوثيين والمملكة العربية السعودية. عدم مشاركة السلطنة في التحالف العربي أتاح لها أن تكون قناة تواصل هامة بين الطرفين، وسعت إلى تسهيل التفاوض غير المباشر بين الرياض والحوثيين. فقد اجتمع ممثلو الحوثيين في مسقط مع مسؤولين سعوديين في عدة مناسبات، في محاولات للتوصل إلى تفاهمات حول وقف إطلاق النار أو الوصول إلى هدنة، رغم أن هذه الوساطات حولت السعودية من قائد للتحالف العربي إلى وسيط يسعى لتقاسم السلطة والثروة مع الحوثيين.
إضافة إلى ذلك، لعبت عُمان دورًا في تسهيل الحوار بين الحوثيين والولايات المتحدة الأمريكية، لا سيما في الآونة الأخيرة. وبعد تزايد الضغوط الأمريكية على الحوثيين، خصوصًا في سياق تحركات واشنطن لمكافحة النفوذ الإيراني، عملت عُمان كوسيط يُسهم في تقريب وجهات النظر بين الجانبين. وقد شمل ذلك لقاءات غير علنية وتبادل رسائل من خلال القنوات العُمانية، مما أتاح للحوثيين فرصة للتواصل مع الدبلوماسيين الأمريكيين دون أن يظهروا التزامات علنية تجاه واشنطن.
ورغم هذا الدور الدبلوماسي البارز، تبقى التساؤلات حول الدعم العسكري غير المباشر الذي تقدمه عُمان للحوثيين، خاصةً عبر الحدود العُمانية-اليمنية. تشير بعض التقارير إلى أن الحدود البرية، بالإضافة إلى طرق بحرية عبر بحر العرب، شهدت عمليات تهريب غير قانونية للأسلحة الموجهة للحوثيين. هذا الدعم ساهم في استمرار قدرة الحوثيين على مقاومة التحالف العربي لفترات طويلة.
وعليه، يمكن القول إن عُمان، رغم سياستها المعلنة بالحياد، قد قدمت تسهيلات لوجستية غير مباشرة للحوثيين، مما ساعدهم في تعزيز قدراتهم العسكرية.
إن التوازن الذي تحاول عُمان الحفاظ عليه بين دعم الحوثيين سياسيًا وعسكريًا، وفي الوقت نفسه الحفاظ على علاقات جيدة مع دول الخليج، يعكس معادلة معقدة. تسعى السلطنة إلى تجنب توسع الحرب إلى داخل أراضيها، خاصة في منطقة المهرة، وتحافظ على تحالفها الاستراتيجي مع إيران، الداعم الرئيسي للحوثيين. لكن هذا الدور يضعها في موقف حساس بين القوى الإقليمية، ويُحتمل أن يؤثر على علاقاتها مع السعودية والإمارات.
الوساطات العُمانية المتعددة في ملف الحوثيين — سواء مع السعودية أو الولايات المتحدة أو خلال الحروب الستة — قد أسهمت في تعزيز مكانة الحوثيين كطرف مشروع في معادلة الحرب اليمنية. غير أن ازدواجية الدور العُماني بين الدبلوماسية والدعم العسكري تُثير تساؤلات حول مدى حيادها وصدقيتها كوسيط.
عُمان، الواقعة على سواحل بحر العرب والمحيط الهندي، تلعب دورًا حيويًا في التجارة البحرية من خلال موانئها مثل مسقط وصلالة. ورغم تبنيها سياسة الحياد، تشير تقارير متعددة إلى سياسة مناصرة ضمنية للحوثيين، عبر استخدام موانئها كممرات لتهريب الأسلحة الإيرانية عبر شبكات تهريب معقدة، تشمل سفنًا صغيرة وقوارب سريعة.
كشفت دورية "إنتلجنس أونلاين" الاستخبارية الفرنسية في سبتمبر 2016 عن قلق سعودي من وجود "لوبي إيراني في عُمان" يساعد في تهريب الأسلحة للحوثيين باستخدام جزر وأراضٍ عُمانية كمخازن، قبل نقلها إلى اليمن. وتعتقد الرياض أن مسقط تغض الطرف عن هذا الدعم، خصوصًا من محافظة ظفار الحدودية مع اليمن. ويُعتقد أن مطار صلالة والجزر الصغيرة المجاورة تُستخدم كمحطات تخزين مؤقتة للعتاد الإيراني.
الطريق البحري من إيران إلى عُمان وصولًا إلى اليمن يمثل المسار البحري من السواحل الإيرانية عبر بحر العرب إلى اليمن، مرورًا بالمياه الإقليمية العُمانية، شريانًا رئيسيًا لتهريب الأسلحة إلى ميليشيا الحوثي. ويُعد ميناء بندر عباس الإيراني أحد أهم الموانئ التي تُستخدم في عمليات شحن الأسلحة، إلى جانب ميناء جاسك، اللذين يشكلان نقاط انطلاق رئيسية للدعم العسكري الإيراني.
وقد شهد ميناء جاسك تطورًا ملحوظًا، حيث تحوّل من ميناء صغير إلى قاعدة بحرية استراتيجية، أنشأت فيها إيران منشآت عسكرية وبحرية منذ عام 2008. وتُستخدم هذه القاعدة اليوم لتأمين حركة نقل النفط، لكنها في الوقت ذاته تُعد محطة رئيسية لعمليات التهريب. وتُظهر تقارير استخباراتية أن آلاف قطع السلاح التي صادرتها البحرية الأمريكية في عرض البحر كان مصدرها ميناء جاسك، وقد تم شحنها باستخدام قوارب خشبية تقليدية، محملة بأسلحة إيرانية، وأخرى ذات منشأ صيني وروسي، بينها بنادق هجومية، ومكونات لطائرات مسيّرة.
تشير مسارات التهريب هذه إلى تعاون مع شبكات بحرية معقدة تمر بالقرب من المياه العُمانية، حيث يُعتقد أن بعض السفن تتوقف أو تمر بالقرب من الجزر والموانئ العُمانية قبل أن تُفرغ حمولاتها لاحقًا على سواحل المهرة أو شبوة اليمنيتين، إما مباشرة أو بعد تهريبها برًا من خلال المعابر الحدودية العُمانية-اليمنية.
تُعد سواحل محافظة المهرة — التي تسيطر عليها ميليشيات الإخوان — ممرًا رئيسيًا لتهريب السلاح للحوثيين. وأعلنت الأجهزة الأمنية عن إحباط عدة محاولات تهريب، منها شحنة تضم 800 مروحة لطائرات مسيرة.
وتشير تقارير إلى وجود طرق تهريب برية من إيران إلى اليمن مرورًا بالعراق وسوريا، يُنقل خلالها مكونات الطائرات المسيّرة ومواد تصنيعها ضمن قوافل مسلحة.
عُمان كنقطة عبور استراتيجية
رغم التزام سلطنة عُمان بالحياد المعلن في النزاع اليمني، تُشير تقارير متعددة إلى استخدامها كمنطقة عبور رئيسية لعمليات تهريب الأسلحة إلى الحوثيين، خاصة عبر منطقة "الشحن" الحدودية، التي تُعد نقطة دخول معروفة، وتقع في نطاق حدودي ضعيف السيطرة. تمتد الحدود اليمنية-العُمانية لنحو 288 كيلومترًا، وتُعتبر من أكثر المناطق نشاطًا في تهريب السلاح، بسبب غياب الرقابة الفاعلة ووعورة التضاريس.
وقد أعلنت قوات الأمن في محافظة مأرب أكثر من مرة عن ضبط شحنات من الطائرات المُسيّرة وأسلحة أخرى كانت قادمة من الأراضي العُمانية، الأمر الذي يعزز الشكوك حول استخدام هذه الحدود كممر خلفي لدعم الحوثيين.
وتُشير مصادر استخباراتية إلى أن الولايات المتحدة تتجاهل عمدًا بعض هذه الأنشطة، نظرًا لعلاقاتها الاستراتيجية الوثيقة مع مسقط، ولدور سلطنة عُمان الوسيط في الملفات الإقليمية الحساسة، وعلى رأسها الملف النووي الإيراني. ورغم وجود معلومات استخباراتية تؤكد ضلوع مسؤولين عُمانيين في هذه العمليات، لم تصدر واشنطن حتى الآن إدانات صريحة، مبررة ذلك بأن شبكات التهريب في المنطقة عابرة للحدود وصعبة التتبع.
تُعد المنطقة العسكرية الأولى، الممتدة عبر وادي حضرموت، أحد المعابر الرئيسة لتهريب السلاح إلى الحوثيين. وتُسهم التضاريس الصحراوية الوعرة، إلى جانب قلة نقاط التفتيش الأمنية، في تسهيل مرور قوافل التهريب دون رصد فعّال. كما تلعب الشبكات القبلية والعصابات المحلية المرتبطة بالحوثيين دورًا بارزًا في توفير الحماية والغطاء لتلك العمليات، ما يجعل من هذه المنطقة نقطة ضعف أمنية تستغلها شبكات التهريب بشكل مستمر.
النتائج:
1.رغم تبني السلطنة سياسة الحياد الرسمية في الأزمة اليمنية، إلا أن الوقائع تشير إلى وجود انحياز ناعم لصالح الحوثيين، عبر الدعم غير المباشر في ملفات التفاوض والدبلوماسية.
2.لعبت عمان دورًا محوريًا في شرعنة الحوثيين كطرف سياسي، سواء عبر المفاوضات مع السعودية أو عبر قنوات التواصل غير المباشرة مع الولايات المتحدة.
3.رُصدت مؤشرات على وجود تسهيلات غير معلنة لعبور شحنات أسلحة ومعدات عسكرية للحوثيين، عبر الأراضي والموانئ العمانية، ما يعزز من قدراتهم العسكرية.
4.تسعى السلطنة للحفاظ على علاقاتها بإيران، مما يضعها في موقف دقيق بين الحلفاء الخليجيين والارتباط بالمصالح الإيرانية في اليمن.
5.يُستخدم الشريط الحدودي بين عمان واليمن، وخصوصًا منطقة "الشحن"، كنقاط عبور رئيسية لتهريب الأسلحة، وسط ضعف الرقابة الأمنية.
6.موانئ مثل مسقط وصلالة، وقربها من الموانئ الإيرانية مثل بندر عباس وجاسك، تُعدّ محاور استراتيجية في نقل الأسلحة عبر البحر إلى اليمن.
7.رغم ورود تقارير استخباراتية دولية عن هذه الأنشطة، لم تُصدر الولايات المتحدة أو القوى الغربية إدانة صريحة لعُمان، بسبب دورها الحيوي في المفاوضات الإقليمية، خصوصًا مع إيران.
8.ضعف سيطرة الحكومة اليمنية في مناطق وادي حضرموت، وانتشار الشبكات القبلية، سمح باستمرار التهريب من عمان نحو معاقل الحوثيين.
التوصيات:
1-نشر قوات جنوبية على الحدود العمانية، خصوصًا في مناطق "الشحن" و"صرفيت".
2-دعم جهود قوات أمن المهرة بالأجهزة التقنية والرقابة الجوية.
3-بناء مراكز مراقبة دائمة بمساعدة دول التحالف العربي.
4-إعادة هيكلة المنطقة العسكرية الأولى، نقل قيادتها إلى قيادة جنوبية وطنية موثوقة.
5-تطهيرها من العناصر المتواطئة مع الحوثيين وشبكات التهريب.
6-دمجها ضمن مشروع أمني وعسكري يخضع للرقابة المباشرة من التحالف.
7-كشف الدور العماني للرأي العام الإقليمي والدولي وإعداد تقارير موثقة تقدم إلى المنظمات الدولية والإعلام العالمي.
8-فضح التناقض بين الخطاب العماني الدبلوماسي والممارسات الواقعية على الأرض.
9-تسليط الضوء على العلاقة بين طهران ومسقط في تهريب الأسلحة.
10-تحريك أدوات الدبلوماسية اليمنية والخليجية للتأثير على الموقف الأمريكي.
11-المطالبة بتحقيقات أممية حول استخدام الأراضي العمانية في تهريب الأسلحة.
12-استثمار العلاقات مع الكونغرس ومراكز الفكر الأمريكية لكشف التجاوزات.
13-تكثيف الدوريات البحرية لرصد القوارب المشتبه بها القادمة من إيران.
14-التعاون الاستخباراتي مع البحرية الأمريكية لرصد انطلاقات التهريب من بندر عباس وجاسك.
15-فرض رقابة لوجستية على الموانئ العمانية التي تستخدم للعبور.
16-إطلاق حملات إعلامية باللغة العربية والإنجليزية تفضح التسهيلات العمانية للحوثيين
17-إبراز شهادات ميدانية من ضباط يمنيين ضبطوا شحنات قادمة من عمان.
18-توثيق العلاقة بين تهريب الطائرات المسيّرة وارتفاع الهجمات الحوثية.
19-المطالبة بجلسة خاصة في مجلس الأمن لعرض الأدلة حول عمليات التهريب.
20-السعي لإدراج بعض الجهات العمانية ضمن لائحة العقوبات إن ثبت تورطها المباشر.
21-التنسيق مع لجنة العقوبات الخاصة باليمن لتوسيع التحقيقات.
المصادر
1-استخدام المساعدات الإنسانية في تهريب الأسلحة." تقرير مركز حقوق الإنسان. 2019.
2- https://www.aljazeera.net/videos/202
3- \Pictures\1626964212000791500.jpg.webp
4- https://aawsat.com/%D8%
5- تقرير الأمم المتحدة حول التهريب عبر البحر الأحمر (2020): "التحديات في المراقبة البحرية في اليمن وتأثيرها على عمليات تهريب الأسلحة". https://hedeel14.wordpress.com/202
6-https://aawsat.com/%D8%A7%D9%84
7-الحوثي في افريقيا – تهريب الاسلحة والمقاتلين #تهريب_الاسلحه_للحوثي https://hedeel14.wordpress.com/2024/08/
8-منصة تعقب الجرائم المنظمة - وغسل الأموال في اليمن https://ptocyem.net/ar/reports/30.html#
9-ضبط في البحر: أسلحة إيرانية مهربة إلى الحوثيينhttps://ye.usembassy.gov
10-https://asharq.com/politics/
11-عمليات خارجية وتدريبات متطورة.. تقرير أممي يكشف تعاظم قوة الحوثيين https://www.alaraby.com/news/%D8%B9%D9%85%D9%84%
D9%8A%D8%