في خطوة مفاجئة تعكس عمق التعقيدات السياسية والإدارية التي تشهدها البلاد، أعلن رئيس الوزراء اليمني الدكتور أحمد عوض بن مبارك، مساء الجمعة، تقديم استقالته رسميًا من منصبه، بعد لقاء جمعه برئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي.
وقال بن مبارك في تغريدة على حسابه الرسمي في منصة "إكس" (تويتر سابقًا): "انتهيت قبل قليل من اللقاء بفخامة الأخ رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد العليمي، وسلّمته استقالتي من منصبي كرئيس للوزراء. أسأل الله التوفيق لمن يخلفني، وأدعو الجميع لدعمه والالتفاف حوله للقيام بواجباته في هذا الظرف الصعب الذي تمر به بلادنا."
وجاءت الاستقالة مرفقة برسالة رسمية خاطب فيها رئيس مجلس القيادة الرئاسي وأعضاء المجلس، موضحًا الأسباب التي دفعته لاتخاذ قراره الصعب. حيث أكد أنه بذل كل ما بوسعه من جهد من داخل الوطن للمساهمة في استعادة الدولة وهزيمة الانقلاب الحوثي، ومحاربة الفساد، وإصلاح الوضعين المالي والإداري، وإعادة بناء مؤسسات الدولة في العاصمة المؤقتة عدن.
وأوضح بن مبارك أن أبرز الصعوبات التي واجهها خلال فترة رئاسته للحكومة تمثلت في "عدم التمكين من ممارسة صلاحياته الدستورية في اتخاذ قرارات إصلاحية حاسمة، بما في ذلك التعديل الحكومي المستحق".
ورغم تلك التحديات، أشار إلى أن حكومته نجحت في تحقيق إنجازات ملموسة، أبرزها توفير أكثر من 133.5 مليون دولار في فاتورة شراء وقود الكهرباء، إلى جانب الوفورات المتوقعة من إلغاء عقود الطاقة المشتراة في عدن، وتطبيق سياسة صارمة لترشيد الإنفاق.
وشدّد في رسالته على أن استقالته تأتي "حرصًا على وحدة الدولة وتوجيه كافة الجهود نحو ما يليق بتضحيات اليمنيين"، مضيفًا: "أضع استقالتي أمامكم، متمنّيًا لمن يكلّف بعدي كل التوفيق والنجاح".
من يخلف بن مبارك؟
ومع مغادرة بن مبارك لموقعه، تتجه الأنظار إلى مجلس القيادة الرئاسي الذي يواجه الآن تحديًا سياسيًا كبيرًا يتمثل في اختيار رئيس وزراء جديد قادر على إدارة المرحلة القادمة بفاعلية.
فمن سيكون الرجل القادم؟ هل سيلجأ المجلس إلى اختيار شخصية توافقية تحظى بدعم المكونات السياسية الفاعلة؟ أم أن اعتبارات التوازنات المناطقية والولاءات الحزبية ستطغى على معايير الكفاءة والإصلاح؟
وهل سيتمكن رئيس الحكومة القادم من تجاوز العراقيل التي عانى منها بن مبارك، لاسيما تلك المتعلقة بتداخل السلطات، وغياب الإرادة السياسية في دعم القرارات الإصلاحية؟ وهل سيمنح الفرصة الفعلية لتشكيل فريق وزاري قادر على تنفيذ المهام دون قيود أو تدخلات؟
في بلد أنهكته الحروب والانقسامات، تبدو مهمة اختيار رئيس وزراء جديد أشبه بسير على حقل ألغام، حيث لا مكان للأخطاء أو المجاملات.. ويبقى السؤال مفتوحًا: هل تحمل الأيام القادمة مفاجأة سياسية؟ أم إعادة تدوير لوجوه قديمة؟