في مشهد يلخص حجم المأساة التي تعيشها العاصمة عدن، اضطرت عشرات العائلات إلى مغادرة منازلها خلال الأيام الماضية، باحثة عن ملاذ أكثر رحمة على السواحل المفتوحة، هربًا من موجة الحر الخانقة التي اجتاحت المدينة مع استمرار تعطل منظومة الكهرباء لليوم الرابع تواليًا.
وبحسب روايات سكان محليين، لجأت الأسر إلى نصب خيام بدائية قرب الشواطئ، مستغلة نسيم البحر الخفيف لتلطيف أجواء لياليها اللاهبة، بعد أن عجزت عن تحمل حرارة البيوت التي تحولت إلى أفران مغلقة بفعل الانقطاع التام للتيار الكهربائي.
معاناة لا تتوقف
ويؤكد المواطنون أن ساعات انقطاع الكهرباء الطويلة، التي تجاوزت حاجز 12 ساعة يوميًا، فاقمت بشكل حاد معاناتهم، لا سيما مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة وغياب أي مؤشرات لحلول قريبة.
وتحدث أحد السكان، محمد علي من منطقة خور مكسر، عن معاناته قائلاً: "لم نعد نحتمل الجلوس داخل المنازل، خرجنا بأطفالنا في منتصف الليل إلى الشارع ثم إلى الشاطئ، حملنا معنا أغطية قديمة لننام تحت السماء المكشوفة".
معاناة محمد ليست استثناءً، بل باتت واقعًا يوميًا لعشرات العائلات، التي اضطرت للاستغناء عن أبسط مقومات الحياة داخل منازلها والبحث عن نسمة هواء مفتوحة بعيدًا عن جدران الإسمنت المحمّلة بحرارة خانقة.
السواحل ملاذ أخير
وتحولت سواحل عدن في الأيام الأخيرة إلى ملاذ اضطراري للنازحين من لهيب الأحياء السكنية، حيث شوهدت عائلات تفترش الأرض، وتستخدم أقمشة مهترئة وحبالًا بسيطة لصناعة خيام عشوائية تحميها من الحشرات المنتشرة بكثافة في الهواء الطلق.
تقول فاطمة أحمد، أم لثلاثة أطفال من مديرية الشيخ عثمان: "لا نملك رفاهية شراء مولد كهربائي أو حتى تشغيل مروحة بسيطة. البحر أصبح أملنا الوحيد في التخفيف عن أولادنا الذين لم يعودوا يحتملون الحر".
تقاعس رسمي وصمت حكومي
في المقابل، ينتقد الأهالي غياب أي تحرك ملموس من السلطات المحلية لمعالجة أزمة الكهرباء، متهمين الجهات الرسمية بالعجز عن تقديم حلول عملية رغم تفاقم الكارثة عامًا بعد آخر.
يقول عبد الله حسين، من سكان المعلا: "انقطاع الكهرباء لم يعد حالة طارئة، بل صار روتينًا قاتلًا. المسؤولون منشغلون بخطاباتهم ونحن نحترق في بيوتنا".
وتوضح شهادات متطابقة أن تدهور خدمة الكهرباء يعود إلى عدة أسباب أبرزها نقص الوقود وسوء إدارة المنشآت الكهربائية، وسط غياب خطط حقيقية للصيانة أو التجديد.
وفي هذا السياق، أكد المهندس عبد الرحمن صالح، أحد كوادر مؤسسة الكهرباء سابقًا، أن "الأزمة ليست مجرد عطل تقني، بل انعكاس مباشر لغياب التخطيط وانعدام الدعم المالي اللازم لتشغيل المحطات بشكل مستدام".
نداءات استغاثة
أمام هذا المشهد المأساوي، أطلق الأهالي نداءات عاجلة للمنظمات الإنسانية والمؤسسات الخيرية المحلية والدولية، مطالبين بتقديم المساعدات الطارئة، مثل المياه الصالحة للشرب، والمراوح التي تعمل بالطاقة الشمسية، لتخفيف معاناة العائلات العالقة بين نيران الصيف وانعدام الكهرباء.
كما طالب المواطنون الحكومة بضرورة التحرك الجاد لوضع حد لأزمة الكهرباء، التي تحولت إلى عبء ثقيل يكبل حياة سكان المدينة المنهكين.
عدن تختنق وتنتظر
ومع استمرار نزوح العائلات إلى الشواطئ، تتجسد أمام الأعين ملامح مدينة تتآكلها الأزمات من كل جانب، وسط صمت رسمي مخيب للآمال.
وتبقى عدن، المدينة التي تستحق الحياة، رهينة لواقع مأساوي صنعه الإهمال وسوء الإدارة، فيما يظل البحر شاهدًا صامتًا على قوافل من البشر تلوذ إليه أملاً في نجاة مؤقتة من قيظ الحياة.