أثار التعميم الصادر عن وزارة الداخلية بشأن منع الانخراط السياسي والعُمَل الحزبي لمنتسبي المؤسسة الأمنية جدلًا واسعًا في الأوساط الإعلامية ومنصات التواصل الاجتماعي، بعد أن طالَب منتسبي الوزارة بالحياد والالتزام بالعمل المهني بعيدًا عن أي ولاءات أو نشاطات سياسية.
جدل حول التوقيت والرسالة
ورأى مراقبون أن التعميم جاء في سياق مشحون بالاستقطابات، الأمر الذي جعله محاطًا بعاصفة من الأسئلة حول الجهة المستهدفة فعليًا منه، وما إذا كان خطوة إصلاحية حقيقية أم رسالة سياسية أكثر من كونها إدارية.
كما أشار ناشطون إلى أن مفهوم “الحياد السياسي للمؤسسة الأمنية” يُعد مبدأً متعارفًا عليه في الدول الحديثة، إلا أن تطبيقه في الواقع المحلي ظل موضع تشكيك طويلًا، نتيجة تغوّل الولاءات الحزبية داخل مؤسسات الدولة خلال السنوات الماضية.
تناقضات أثارت السخرية
الانتقادات التي اجتاحت منصات التواصل الاجتماعي ركزت بشكل أساسي على ما اعتبره البعض تعارضًا بين مضمون التعميم وهوية من أصدره، في إشارة إلى وزير الداخلية إبراهيم حيدان الذي تُوجَّه إليه اتهامات قديمة بارتباط سياسي وحزبي.
وتداول ناشطون تعليقات ساخرة اعتبرت أن التعميم “يبحث عن مخاطب غير موجود”، في ظل قناعة راسخة لدى شريحة واسعة بأن قطاعات في الوزارة ما تزال خاضعة لتأثيرات حزبية وتنظيمية.
سجل طويل من التسييس
ويرى محللون أن الجدل المثار لا يتعلق بنص التعميم في ذاته بقدر ما يتصل بالسياق العام، إذ ارتبطت مؤسسات أمنية وعسكرية خلال السنوات الماضية باتهامات مباشرة بتقديم الولاء الحزبي على المهنية، واستخدام الوظيفة الأمنية في خدمة أجندات سياسية.
ويشير مراقبون إلى أن حالة عدم الثقة هذه جعلت أي حديث رسمي عن “الحياد السياسي” يُواجَه تلقائيًا بموجة تشكيك، لاسيما إذا جاء على لسان شخصيات يُنظر إليها باعتبارها طرفًا في الاستقطاب القائم.
سؤال المشروعية والالتزام
التعميم أعاد إلى الواجهة نقاشًا قديمًا حول:
-
مدى واقعية الحديث عن مؤسسة أمنية محايدة في بيئة منقسمة سياسيًا
-
قدرة الوزارة على تطبيق القرارات على القيادات قبل الصفوف الدنيا.
-
الآليات العملية لضمان إنهاء الولاءات الحزبية داخل المؤسسات النظامية
كما طرح ناشطون تساؤلات مباشرة بشأن التزام القيادات العليا قبل الأفراد والجنود، معتبرين أن أي إصلاح حقيقي يبدأ من أعلى الهرم المؤسسي.
بين النص والتطبيق
من الناحية القانونية البحتة، تقوم كثير من التشريعات على حظر العمل الحزبي على العسكريين وأفراد الأمن حفاظًا على حياد الدولة ومؤسساتها، غير أن الفجوة بين النص والتطبيق ظلّت محور الانتقادات الأبرز.
ويرى متابعون أن الاختبار الحقيقي للتعميم ليس في صياغته، بل في إرادة تطبيقه عمليًا وبصورة متساوية دون استثناءات أو انتقائية، وبعيدًا عن استخدامه كأداة لتصفية حسابات سياسية داخلية.
أعاد التعميم الأخير فتح ملف حساس يتعلق بطبيعة العلاقة بين المؤسسة الأمنية والعمل السياسي في البلاد.
ومع اتساع دائرة السخرية والانتقادات، يظهر أن الشارع لا يعترض على مبدأ الحياد بقدر اعتراضه على ازدواجية الخطاب وتناقضه مع الواقع العملي.
ويبقى السؤال المفتوح:
هل يمثّل التعميم خطوة جادة نحو مأسسة الأمن وتجريده من الولاءات، أم مجرد بيان جديد يضاف إلى سلسلة طويلة من القرارات التي بقيت حبيسة الأوراق؟