كشف تحليل صادر عن أحد المراكز البحثية الأمريكية المتخصصة في شؤون الشرق الأوسط عن أن إيران شرعت خلال الأشهر الماضية في إعادة تنظيم شبكات نفوذها العسكرية والأمنية في عدد من الدول، وفي مقدمتها اليمن والعراق ولبنان، مستفيدة من شراكات استراتيجية مع موسكو وبكين شكلت رافعة رئيسية لخططها الجديدة.
تحوّل بعد مواجهة يونيو 2025
وبحسب الدراسة، فإن المواجهة المباشرة التي اندلعت منتصف عام 2025 بين إيران وإسرائيل، وما رافقها من ضربات مركزة استهدفت مخازن السلاح ومواقع حيوية لأذرع طهران، دفعت الأخيرة إلى الدخول في مرحلة مراجعة شاملة لطبيعة انتشارها وأدواتها، انتقلت بعدها من حالة الاشتباك المفتوح إلى إعادة بناء هادئة ولكن عميقة التأثير.
وتشير القراءة إلى أن حالة الهدوء النسبي التي أعقبت تلك المواجهة ليست مؤشرًا على تراجع النفوذ، بل تمثل فترة إعادة تموضع يجري خلالها تطوير شبكات التمويل والتسليح والعقيدة القتالية لتلك الجماعات.
إعادة تشكّل “محور المقاومة”
التقرير أوضح أن ما يسمى بـ“محور المقاومة” الذي تقوده طهران لم يعد يعمل بالآليات القديمة، بل اتجه نحو:
-
تعزيز البنية التنظيمية والقيادية
-
تحديث منظومات التسليح والتقنيات
-
تنويع موارد التمويل بعيدًا عن القنوات التقليدية
-
الانفتاح على شراكات مع روسيا والصين لتخفيف أثر العقوبات الغربية
ويصف التقرير هذه المرحلة بأنها سكون تكتيكي يخفي وراءه نشاطًا مكثّفًا لإعادة إنتاج القوة بأدوات محسوبة.
لبنان: تصنيع محلي وترسيخ اجتماعي
في الساحة اللبنانية، ترى الدراسة أن حزب الله اتجه إلى نقل جزء من قدراته العسكرية إلى الداخل، مع العمل على توطين تصنيع بعض الأسلحة والمكونات داخل البلاد، بالتوازي مع برامج دعم اجتماعي واسعة لتعزيز الحاضنة الشعبية، بما يمنحه قدرة أكبر على المناورة داخليًا وإقليميًا.
العراق: دمج الميليشيات في الدولة
وفي العراق، يشير التقرير إلى مسار موازٍ يعتمد على دمج تشكيلات مسلحة ضمن أطر رسمية تحت لافتة “إعادة الإعمار”، مع الاستفادة من اتفاقيات اقتصادية مع شركات آسيوية لتوفير غطاء قانوني وإداري لعملية التمويل والتسليح وإدامة النفوذ.
اليمن: ترسيخ طويل الأمد للنفوذ
أما في اليمن، فتؤكد الدراسة استمرار الدعم الإيراني للحوثيين تقنيًا ولوجستيًا، مع التركيز على بناء قدرات تضمن بقاء النفوذ لفترة طويلة، وانتقال النشاط من الحرب المباشرة إلى ترسيخ بنية اقتصادية–عسكرية مترابطة، رغم جهود الاعتراض التي تقودها الولايات المتحدة وشركاؤها.
شبكة مالية بديلة
ويرصد التحليل سعي طهران لإعادة ابتكار منظومتها المالية عبر شبكات اقتصادات غير رسمية وشركات واجهة، بما يسمح بتمويل الأذرع العسكرية بعيدًا عن الأنظمة المصرفية الخاضعة للعقوبات والرقابة الغربية.
الدوران الروسي–الصيني: دعم سياسي وعسكري وتقني
التقرير يخلص إلى أن موسكو وبكين أصبحتا شريكَيْن رئيسيين في هذا التحول:
-
روسيا: توفير غطاء سياسي ودبلوماسي وتحرك نشط في المؤسسات الدولية ودعم عسكري مباشر في بعض الجبهات
-
الصين: رفد القدرات الصناعية والتقنية وتزويد مكونات حساسة ذات استخدام مزدوج مكّنت إيران من تطوير الطائرات المسيّرة والصواريخ الدقيقة
وبذلك، باتت العلاقة الثلاثية (إيران–روسيا–الصين) تشكل محورًا استراتيجيًا يمنح طهران عمقًا يتجاوز المنطقة إلى فضاءات أوسع في آسيا وأفريقيا.
تؤكد الدراسة أن خارطة النفوذ الإيراني لا تتراجع، بل تُعاد صياغتها بأدوات أكثر مرونة وأقل كلفة، مستندة إلى:
-
تحديث هيكلي للأذرع العسكرية
-
شراكات دولية تقلص تأثير العقوبات
-
انتقال من الصدام المباشر إلى ترسيخ النفوذ الهادئ
وهو مسار ترى دوائر الرصد أنه سيعيد تشكيل التوازنات الإقليمية خلال المرحلة المقبلة، خصوصًا في الساحات المفتوحة كاليمن ولبنان والعراق.