لم يكن مشهد ظهور رئيس مجلس القيادة الرئاسي الدكتور رشاد محمد العليمي إلى جانب نائبه اللواء عيدروس قاسم الزُبيدي، رئيس المجلس الانتقالي الجنوبي، في قاعة الجمعية العامة للأمم المتحدة بنيويورك مجرد لقطة بروتوكولية عابرة، بل كان بمثابة رسالة سياسية أراد اليمن إيصالها للعالم: أن خلافات الداخل، مهما كانت عميقة، لا تعني غياب موقف خارجي موحد تجاه القضايا الكبرى.
حضور موحّد رغم تباينات الداخل
منذ تشكيل مجلس القيادة الرئاسي، لم يغب عن المتابعين حجم التباينات بين مكوناته، غير أن المشاركة الجماعية في الدورة الثمانين للجمعية العامة للأمم المتحدة أظهرت صورة مغايرة، حيث جلس العليمي والزُبيدي وعبدالله العليمي جنبًا إلى جنب، مقدّمين مشهدًا يوحي بالانسجام في القضايا الدولية والإقليمية.
هذا الحضور الموحد، وفق قراءة العين الثالثة، ليس مجرد واجهة إعلامية، بل تعبير عن إدراك سياسي بأن المجتمع الدولي لا يقبل الشركاء المنقسمين، وأن الحفاظ على وحدة الموقف في الملفات الخارجية شرط أساسي للحصول على الدعم اللازم سياسيًا وإنسانيًا.
كلمة اليمن.. بين السلام والتهديدات
من المقرر أن يلقي د. رشاد العليمي كلمة اليمن أمام قادة العالم، متناولًا فيها أولويات السلام الشامل، وملف الحوثيين كخطر يهدد الأمن الإقليمي والدولي، إضافة إلى تفاقم الوضع الإنساني والاقتصادي في البلاد.
لكن ما يلفت الانتباه هو أن الخطاب لا يقتصر على توصيف الأزمة، بل يسعى لإبراز أن قيادة المجلس الرئاسي – رغم خلافاتها – تلتقي عند نقطة مركزية: الحاجة إلى دعم دولي عاجل سياسيًا وأمنيًا وإنسانيًا.
الزُبيدي على خط المساعدات الدولية
بعيدًا عن الجلسة الافتتاحية، خطف اللواء عيدروس الزُبيدي الأنظار من خلال لقاءاته الجانبية، وأبرزها اجتماعه برئيس لجنة الإنقاذ الدولية ديفيد مليباند.. اللقاء ركّز على دعم الأنشطة الإنسانية والتنموية في اليمن، وبخاصة في مجالات الصحة والتعليم وحماية الطفل وتمكين المرأة.
حرص الزُبيدي على التأكيد بأن المجلس الانتقالي يسهل عمل المنظمات الدولية ويضمن وصول المساعدات إلى مستحقيها، في خطوة تعكس اهتمامًا جنوبيًا بترسيخ صورة الشريك المسؤول أمام المجتمع الدولي.
وحدة الخارج.. تكتيك أم تحوّل؟
هنا يطرح السؤال نفسه: هل الحضور الموحد في نيويورك يعكس بداية تقارب داخلي حقيقي بين مكونات المجلس، أم أنه مجرد تكتيك سياسي لتمرير المرحلة وكسب ثقة المجتمع الدولي؟
تقرأ العين الثالثة أن الصورة الموحّدة ضرورية في الوقت الراهن، لكنها لا تنفي وجود خلافات بنيوية حول ملفات الداخل، خصوصًا في ما يتعلق بإدارة المناطق المحررة ومستقبل التسوية السياسية، ومع ذلك، فإن الاستمرار في إبراز الموقف الخارجي المنسجم قد يمهد لتفاهمات أوسع إذا ما وُجدت إرادة مشتركة لتجاوز خلافات الداخل.
لقاءات ثنائية ورسائل إقليمية
البرنامج الأممي للوفد اليمني يتضمن سلسلة لقاءات مع قادة دول وممثلي منظمات، تركز على ملفات حساسة: تهريب الأسلحة الإيرانية، تصاعد الأنشطة الإرهابية، وتأمين طرق الملاحة في البحر الأحمر وباب المندب.
هذه الملفات ليست هامشية، بل تمثل جوهر القلق الدولي من استمرار الحرب في اليمن، وهنا يكتسب الموقف الموحد للمجلس الرئاسي أهمية مضاعفة، لأنه يمنح المجتمع الدولي شريكًا يبعث برسالة واضحة: رغم خلافات الداخل، فإن القيادة اليمنية مستعدة للعمل الخارجي وفق أولويات مشتركة.
ما وراء الحضور الجماعي
الحضور الجماعي لأعضاء المجلس الرئاسي في نيويورك يعكس محاولة لتثبيت شرعية القيادة اليمنية في أذهان المجتمع الدولي، فالعالم، الذي يتعامل مع ملفات مركبة في المنطقة، يبحث عن طرف موثوق يمكنه التعاطي معه، ومن خلال هذا الحضور، يسعى المجلس لإظهار أنه الجهة القادرة على تمثيل اليمن وتوحيد قراره الخارجي.
صورة الخارج وواقع الداخل
من نيويورك، حاولت القيادة اليمنية أن تبعث برسالة للعالم مفادها أن الانقسام الداخلي لا يعني غياب الموقف الموحد في الخارج، لكن تبقى الأسئلة مفتوحة: هل يمكن أن ينعكس هذا التفاهم الخارجي على الداخل؟ وهل يشكل بداية لمسار تصالحي بين المكونات، أم أنه مجرد واجهة بروتوكولية مؤقتة؟
في كل الأحوال، أثبتت المشاركة أن اليمن، وبالأخص الجنوب ممثلًا بالرئيس الزُبيدي، أصبح رقمًا حاضرًا على الطاولة الدولية، أما التحدي الحقيقي، فهو تحويل صورة الوحدة في نيويورك إلى واقع ملموس في عدن وصنعاء والمناطق الأخرى، حيث ما زالت الخلافات تقض مضجع الداخل وتعرقل طريق الحل السياسي.