آخر تحديث :الخميس - 19 يونيو 2025 - 02:15 م

شرق اوسط جديد يتخلّق: مواجهة ايران واسرائيل تطيح بالفوضى الخلاقة وتُطلق التنظيم القاسي

الخميس - 19 يونيو 2025 - الساعة 09:15 ص

د. فائزة عبدالرقيب
الكاتب: د. فائزة عبدالرقيب - ارشيف الكاتب



لم يكن الشرق الاوسط خلال العقدين الماضيين ساحة مستقرة يمكن فهم معادلاتها بسهولة. بل كان ميدانا مفتوحا لما سُمِّي بـ"الفوضى الخلاقة"، التي خلطت شعارات الديمقراطية بثورات مسلّحة واطلقت العنان لجماعات لا دولاتية لتتمدد على حساب الدولة الوطنية، فيما تحوّلت النزاعات الى ساحات تصفية حسابات اقليمية ودولية.

لكن المشهد الاقليمي اليوم، بات على اعتاب لحظة مفصلية.
فالمواجهة العسكرية المباشرة بين اسرائيل وايران، ورغم قصر مدتها، لم تكن مجرد جولة عابرة في صراع طويل بل شكّلت نقطة تحول فارقة اطاحت بزمن الفوضى المفتوحة واطلقت ما يمكن تسميته بـ"التنظيم القاسي للمحاور".

هذا التنظيم الجديد لا يترك مجالًا للمواقف الرمادية او الهجينة والتحالفات فيه
باتت اكثر وضوحًا و خطوط التماس الجيوسياسية اصبحت أكثر صرامة ولا مجال للعبث السياسي والعسكري فيها.

محاور التنظيم القاسي اللاعبة تتخلق على النحو التالي: محور مقاومة تقوده إيران، ومحور اعتدال عربي تقوده السعودية ومصر، ومحور تركي-قطري يحاول الحفاظ على توازنه، ومحور تطبيع يتكئ على اسرائيل برعاية اميركية. كل هذه المحاور سوف تدخل أن لم تكن دخلت فعليا طور الاشتباك المنضبط ولم تعد تتعايش كما في الماضي و كل تحرك لها محسوب، وكل خطأ له كلفة سياسية او عسكرية فورية.

حتى القوى اللا دولاتية، التي كانت تتصرف بحرية نسبية وتتحرك في الهوامش، تجد نفسها اليوم امام خيارين لا ثالث لهما: اما الانضباط او التفكك. فالقوى الكبرى بدأت بإعادة هندسة ادواتها وتحالفاتها وفق اولويات استراتيجية كما حدث في ايران واليمن وسوف يحدث في مناطق أخرى فمرحلة الفوضى الخلاقة لم تعد مُجدية، وجميع المحاور ينبغي أن تكون ضمن نظام اقليمي جديد لا مكان فيه للحركات المرتبكة التي تنهل من الفوضى او القوى الرمادية باهتة المعالم.

وفي قلب هذا التحوّل، تبرز غزة كاختبار اخلاقي وسياسي لهذا النظام الجديد، فالموقف من المجازر والانتهاكات الاسرائيلية لم تعد موقفا إنسانيا واخلاقيا وتحصيل حاصل فحسب، بل أصبح مقياسا حقيقيا لمصداقية اي محور يتحدث عن العدالة او الاستقرار. إن التنظيم القاسي الذي يتشكل، أذا لم يدمج القضية الفلسطينية ضمن معادلاته سيكون تنظيم ناقص، ومشروع اقليمي يولد مشوّهًا اخلاقيا واستراتيجيا. كما أن اي شرق اوسط جديد لا يضع حقوق الفلسطينيين في صلب معادلاته، ولا يلتزم بمسار جدي نحو حل الدولتين ورفع الظلم عن غزة، سيكون محكوما عليه بعدم الاستقرار، مهما بدت التحالفات منضبطة او متماسكة. فغزة اليوم لم تعد مجرد ساحة اشتباك بل باتت مرآة تعكس التوازنات الحقيقية وتفضح زيف الشعارات التي تتجاوزها او تتجاهلها.

اليوم، الشرق الاوسط الجديد يتخلّق تحت ضغط الوقائع تُطاح فيه الفوضى الخلاقة لا لصالح الديمقراطية، بل لصالح نظام اقليمي اكثر تنظيما، لكنه ايضا اكثر قسوة. وقد تكون هذه اللحظة فرصة لإعادة ضبط الاولويات للانظمة والمحاور شريطة أن لا تُختزل في ادارة الملفات الساخنة او تقاسم النفوذ، بل ان تُفضي الى تسويات عادلة ومستدامة تتصدرها القضية الفلسطينية باعتبارها المعيار الاخلاقي والاستراتيجي لاي نظام اقليمي قابل للحياة.




شاهد أيضًا

الأعجم: هل يُدفع رئيس الوزراء سالم بن بريك نحو "المحرقة"؟ ...

الخميس/19/يونيو/2025 - 09:00 ص

أثار الصحفي عدنان الأعجم تساؤلات حادة وانتقادات مبطّنة حول أداء رئيس الوزراء اليمني سالم بن بريك، مشيرًا إلى أن الأخير قد يكون وقع في فخ القبول بـ"أدو


الإنتربول والشرطة يعيدان رجل أعمال يمني متهم بالاختلاس وغسل ...

الخميس/19/يونيو/2025 - 08:55 ص

أعلنت الشرطة العُمانية، اليوم الخميس، أن الإدارة العامة للتحريات والبحث الجنائي، وبالتعاون مع المنظمة الدولية للشرطة الجنائية (الإنتربول)، تمكنت من اس


حماية البيئة بلحج تحذّر: الأكياس البلاستيكية خطرٌ بيئيٌ يهدد ...

الخميس/19/يونيو/2025 - 08:50 ص

أطلق مدير عام الهيئة العامة لحماية البيئة في محافظة لحج، المهندس فتحي الصعو، تحذيرات شديدة اللهجة حول مخاطر الأكياس البلاستيكية على البيئة والصحة العا


انهيار متواصل للريال اليمني.. أسعار الصرف تواصل التدهور في ع ...

الخميس/19/يونيو/2025 - 08:01 ص

شهد الريال اليمني، صباح اليوم الخميس 19 يونيو 2025، مزيدًا من التدهور أمام العملات الأجنبية في العاصمة عدن ومحافظة حضرموت، فيما حافظ على استقراره النس