آخر تحديث :السبت - 21 يونيو 2025 - 08:43 م

إيران على حافة النار.. لعبة الفرص المستحيلة

الأربعاء - 26 مارس 2025 - الساعة 05:41 ص

هاني سالم مسهور
الكاتب: هاني سالم مسهور - ارشيف الكاتب



​ تتهيأ إيران للحرب كما لو أنها قاب قوسين أو أدنى، وكأنها أيقنت أن هذه المرة ستكون المواجهة على أراضيها، لا عبر وكلائها، ولا من وراء حجاب المليشيات.

فباستثناء الحوثيين، الذين ما زالوا على خط النار في البحر الأحمر، تبدو الجبهات الأخرى – من لبنان إلى العراق فغزة – قد تهالكت أو خُنقت، بفعل الضربات الإسرائيلية المتتالية أو الانكفاء الإقليمي لوكلاء طهران.

لكن المشهد لا يبدو في ظاهره تصعيدًا صاخبًا فحسب، بل هو في جوهره «مفاوضة بالنار». رسالة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى المرشد علي خامنئي، التي حملت تهديدًا مبطنًا بمهلة شهرين، ليست سوى إعادة إنتاج لـ«دبلوماسية التلويح بالزر النووي» التي يجيدها الجمهوريون، ولكن بنكهة انتخابية صارخة هذه المرة.

الاتفاق أو الحرب، ذلك هو الخطاب الأمريكي الجديد، لكن الأجندة الحقيقية تبدو أكثر ضبابية: هل حقًا واشنطن تريد اتفاقًا؟ أم أنها تبحث عن ضربة استعراضية لإعادة ضبط ميزان الردع؟

في المقابل، لا تقل إسرائيل حماسة عن واشنطن. فتل أبيب، التي لم تتوقف عن قصف الوجود الإيراني في سوريا وغزة ولبنان، تستعد كما لو أن الساعة قد حانت لتصفية الحساب الكبير.

بنيامين نتنياهو لا يخفي نهمه لضرب المنشآت النووية الإيرانية، ويبدو أنه نجح في إقناع الأمريكيين بأن اللحظة الإقليمية باتت ناضجة لفعل جراحي حاسم.

والحديث عن أن إسرائيل حصلت على «الأسلحة اللازمة لإنجاز المهمة» لا يُفهم إلا في سياق تحضير الأرضية لضربة استباقية كبرى.

غير أن المتغير الأهم يتمثل في موقع الحوثيين من هذا المشهد. فبينما تنكمش أذرع إيران في الشرق الأوسط، يبقى الحوثي الورقة الوحيدة التي تحرّكها طهران علنًا، وتضعها على طاولة المساومة من دون مواربة.

ومع أن الغارات الأمريكية الأخيرة على صنعاء وصعدة بدت وكأنها عقاب على الهجمات في البحر الأحمر، إلا أن الرسالة السياسية كانت واضحة: إذا لم تضبطوا أتباعكم، فستدفعون الثمن بشكل مباشر.

المفارقة أن إيران لم ترد بردود نارية، بل اختارت التهكم الدبلوماسي. تصريحات خامنئي التي وصفت العرض الأمريكي بـ«الخداع»، تعكس عقلية مفاوض خبير يعرف أن زمن المبادرة ليس بيده، لكنه في الوقت نفسه يرفض الرضوخ السريع.

طهران تُدرك أنها في موقع دفاعي، لكنها تريد التفاوض على طريقتها، وبشروطها، وبوجود الصين وروسيا كضامنين.

وهذا ما يجعل من فكرة «اتفاق خلال شهرين» ضربًا من الخيال، أو فخًا منصوبًا لاستدراجها إلى زاوية ضيقة.

ما يجري إذن هو معركة إرادات، لا تدور فقط في العواصم الكبرى، بل أيضًا في مياه البحر الأحمر وصحارى اليمن. فالمعادلة الأمريكية تقوم على خلق «أزمة مُدارة» تشبه تلك التي سبقت غزو العراق، أو الاتفاق النووي لعام 2015.

غارات على الحوثيين، تهديدات لإيران، وحشد إقليمي لا يزال في طور التبلور. أما إيران، فتعوّل على أن التجاذب الداخلي في واشنطن، والانتخابات الأمريكية القادمة، سيمنحانها وقتًا إضافيًا لتثبيت شروطها.

لكن الحسابات قد تخطئ، كما حدث مرارًا في الشرق الأوسط. فمن يضمن أن صاروخًا حوثيًا لا يُشعل جبهة الخليج؟ أو أن ضربة إسرائيلية محدودة لا تتحول إلى حرب شاملة؟ الخطأ في التقدير ليس استثناءً في تاريخ الأزمات مع طهران، بل هو القاعدة.

وفي هذه اللحظة الحرجة، يبرز سؤال مصيري: هل نحن أمام مشهد تمهيدي لاتفاق جديد، أم أمام مقدمات لحرب قادمة؟ التناقض بين منطق المفاوضات ومنطق الميدان هو ما يجعل الإجابة عسيرة. فبينما يتحدث الأمريكيون عن «فرص مغرية»، لا تزال العقوبات تخنق الاقتصاد الإيراني، وتُحاصر صادراته النفطية إلى الصين، آخر شرايين الحياة.

وفيما تتمسك إيران بخطابها الأيديولوجي الرافض للركوع أمام «الشيطان الأكبر»، تبدو في الوقت نفسه محتاجة إلى أي نافذة تنقذها من الاختناق الاقتصادي والانهيار الداخلي.

لكن المشكلة أن النظام الإيراني لا يستطيع قبول صفقة تفرغ خطابه الثوري من مضمونه، ولا الإدارة الأمريكية – إذا كانت جمهورية – مستعدة لتكرار تجربة أوباما التي اعتبرها ترامب «كارثة استراتيجية».

الحوثيون إذًا هم رأس الحربة في هذا التصعيد، ولكنهم أيضًا «كعب أخيل» إيران في هذه المرحلة. كلما استُخدموا بشكل مفرط، دفعوا طهران نحو زاوية مكشوفة أمام العالم، وكلما تم تحييدهم، خسرت إيران ورقة التفاوض الوحيدة التي لا تزال تُحدث ضجيجًا.

ختامًا، لا يبدو أن أحدًا – لا واشنطن ولا طهران – يريد الحرب، لكن الجميع يتصرف كما لو أن الحرب واقعة. وفي لعبة التهديدات والفرص، تبقى المسافة قصيرة جدًا بين تفاوض مأمول وانفجار محتمل. أما الشرق الأوسط، فكالعادة، هو الحلبة الوحيدة التي تُجري فيها القوى العظمى تجاربها الميدانية على حساب الشعوب، والتاريخ، والسيادة.

نقلا عن "العين الأخبارية"




شاهد أيضًا

حريق مروع يلتهم "فكسي" ودباب بجوار محطة وقود في عدن ...

السبت/21/يونيو/2025 - 08:18 م

اندلع عصر اليوم حريق هائل التهم باص نقل أجرة (فكسي) ودراجة نارية كانت متوقفة بجانبه، وذلك عقب تعبئتهما بالغاز قرب محطة الخير للمحروقات في منطقة الممدا


سدود اليمن.. عبقرية الأجداد التي تتحدى عطش الحاضر ...

السبت/21/يونيو/2025 - 12:35 م

في مواجهة جفاف العصر، يعود اليمن ليستلهم من إرثه الهندسي العظيم، حيث لا تزال سدود مأرب وصهاريج عدن وغيرها من المعالم المائية التاريخية تروي حكاية عبقر


ليست أميرة ولا حتى امرأة!.. الإيقاع بشبكة ابتزاز إلكتروني خط ...

السبت/21/يونيو/2025 - 12:15 م

بعد أسابيع من الجدل، أعلنت شرطة مدينة عدن؛ حيث العاصمة اليمنية المؤقتة، القبض على شاب أنشأ حساباً عبر �فيسبوك�، باسم �أميرة محمد�، وتمكن، خلال سنوات،


صورة "جاسوسة الموساد" مع قيادي حوثي تشعل مواقع التواصل وتثير ...

السبت/21/يونيو/2025 - 10:21 ص

تداول ناشطون يمنيون صورة مثيرة للجدل قيل إنها تُظهر جاسوسة إسرائيلية تدعى كاثرين بيريز برفقة القيادي الحوثي الحسن علي العماد، في أحد المراقد الشيعية ب