أثار مقال كتبه المهندس جمال باهرمز بعنوان "النازحون اليمنيون سيطروا على المنظمات والوظائف العامة في عدن" جدلاً واسعًا في الأوساط السياسية والاجتماعية الجنوبية.
المقال، أضاء على واحدة من أبرز القضايا التي تشغل الشارع الجنوبي اليوم، بحيث سلط الضوء على ما يراه الكاتب كتغيير كبير في التركيبة الاقتصادية والإدارية في عدن بسبب تدفق النازحين اليمنيين من الشمال، فما مدى دقة هذه الادعاءات، وكيف يمكن فهم هذه القضية في إطار أوسع يعكس الديناميات الحالية في اليمن بشكل عام والجنوب بشكل خاص؟
الخلفية التاريخية والسياسية:
يشير المقال إلى أن الجنوب، منذ الاستقلال عام 1967، شهد سلسلة من الصراعات الداخلية التي مزقت نسيجه السياسي والاجتماعي، وطُرد السلاطين وقُتل عدد من القادة التاريخيين مثل فيصل عبداللطيف والرئيس سالمين، ما أسهم في خلق جو من الانقسامات والتوترات. وقد عمّقت هذه الصراعات الخلافات الداخلية وأضعفت البنية الإدارية والسياسية للجنوب، ما أدى إلى ترك الباب مفتوحًا أمام قوى خارجية للتدخل والتأثير.
النازحون اليمنيون والسيطرة على الوظائف:
يدّعي المقال أن النازحين اليمنيين القادمين من الشمال إلى عدن قد سيطروا على عدد كبير من الوظائف في المنظمات الدولية والقطاعين العام والخاص، مشيرًا إلى أنهم أصبحوا يمثلون تحديًا كبيرًا للجنوبيين الذين يعانون من نقص الفرص الاقتصادية، ومع ذلك، فإن هذه المزاعم تستدعي فحصًا أكثر دقة للأرقام والإحصاءات الرسمية، حيث لم تصدر حتى الآن تقارير موثوقة تؤكد أو تنفي هذا الادعاء بشكل شامل.
الجدل بين الحقيقة والمبالغة:
لا شك أن الحرب اليمنية المستمرة منذ 2015 أسفرت عن موجات نزوح كبيرة نحو الجنوب، حيث لجأ العديد من اليمنيين إلى المناطق الجنوبية هربًا من الصراع. ولكن، هل يمكن القول بأن النازحين سيطروا بشكل كامل على المنظمات والوظائف؟
يجب الاعتراف بأن المنظمات الدولية والمنظمات غير الحكومية العاملة في اليمن قد اعتمدت بشكل كبير على العمالة المحلية من جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك الشماليين والجنوبيين، كما أن كثيرًا من الوظائف في القطاعين العام والخاص في عدن لا تزال تعتمد على مؤهلات وقدرات المتقدمين، وليس فقط على خلفيتهم الجغرافية.
الصراعات الداخلية وإقصاء الكفاءات:
المقال يتحدث أيضًا عن إقصاء الكفاءات الجنوبية وتشويه سمعة الجنوبيين بعضهم لبعض، في إشارة إلى صراعات داخلية مستمرة منذ عقود، وأسهمت هذه الصراعات بشكل كبير في إضعاف النسيج الاجتماعي والسياسي للجنوب، مما أدى إلى تراجع الكثير من القيادات القادرة على النهوض بالوضع المحلي.
يجب أن يُفهم هذا الإقصاء في سياق أوسع يتعلق بالصراعات السياسية بين مختلف الفصائل الجنوبية نفسها، وكذلك بين الجنوب والشمال، فهذه الصراعات أدت إلى تراجع في القدرة على تنظيم الكفاءات واستثمار الطاقات المحلية، مما سمح بظهور ثغرات في النظام الإداري والاقتصادي استفاد منها النازحون وغيرهم.
التوصيات والمستقبل:
يرى المهندس جمال باهرمز أن الحل يكمن في تجاوز الخلافات الداخلية والتركيز على الهدف المشترك لاستعادة الجنوب، ويشير إلى ضرورة تفعيل الحس الوطني لدى الجنوبيين والعمل على تحقيق الوحدة والتضامن فيما بينهم، بدلاً من الاستمرار في التشويه والإقصاء الذي يعمّق الانقسامات ويضعف الموقف الجنوبي أمام التحديات الخارجية.
إن هذه الرؤية تدعو إلى إعادة التفكير في طريقة التعامل مع الأزمات الحالية في الجنوب، سواء كانت مرتبطة بالنزوح أو بالإدارة المحلية، ويجب أن تركز السياسات القادمة على بناء جسور التواصل بين مختلف الفئات، وتفعيل برامج تنموية شاملة تستفيد من كافة الطاقات البشرية المتاحة، بغض النظر عن أصولها الجغرافية.
صرخة استغاثة:
ويمثل المقال صرخة استغاثة من أجل إيقاظ الوعي الجنوبي والتغلب على العقبات الداخلية التي تحول دون تحقيق الاستقرار والنهوض، وفي الوقت الذي يشير فيه إلى خطر النزوح الشمالي، فإنه يؤكد أن الحل يبدأ من الداخل، من خلال الوحدة الوطنية وبناء مجتمع قوي قادر على مواجهة التحديات الخارجية والداخلية على حد سواء.